المنشور

وزارة الإعلام ..أقرِئكم السّلام.. وأواجهكم بالبيان..


في إحدى حلقات ‘ساينفيلد’ – السلسلة الكوميدية الأشهر في الثمانينات- يقرر كريمر مشاركة صديقه الإيطالي جون بافتتاح محل بيتزا في الحي الإيطالي.. وليتفردا ويجتذبا الزبائن وسط التنافس المستعر خرجا بفكرة خلاقة.. افتتاح محل يُمكن للزبون فيه صنع ‘بيتزته’ بيديه كما يُحب ويشتهي على أن يضعها – ويستلها- من الفرن بنفسه أيضا!!

ورغم تندر أصدقائهما بالفكرة إلا أنهما مضيا فيها بحماس.. وفي الافتتاح قرر كريمر تدشين المحل بإعداد بيتزته الخاصة فطفق يملؤها بما يشتهي من الإضافات.. فلما وضع كريمر الخيار انتفض جون؛ وأطبق على معصمه بعنف مانعاً إياه من المواصلة!!
وأمام دهشة كريمر رمقه جون شزراً ‘لا يجوز لك وضع الخيار في البيتزا’ قال منفعلاَ ‘أليست هذه هي الفكرة – قال كريمر- أن أصنع فطيرتي كما أحبها وكيفما أحب، والخيار مفيد للصحة وأنا أحبه وليس لك أن تتدخل في ذلك’ ومن هنا شبّ بينهما سجال أخرق انتهى بشقاقهما وانهيار مشروعهما الفتي حتى قبل أن يبدأ!!

هذا المشهد يشبه إلى حد بعيد موقفنا مع وزارة الإعلام بشأن قرارها إغلاق كل المواقع التي تخالف هواها – بقرار مزاجي بالغ الانتقائية – مع فرق مفصلي .. هو أن المشهد أعلاه كوميدي يُفرح القلب، أما المشهد هاهنا فهو تراجيدي صرف..

فقرار الإعلام الذي لا يبدو أنها تعتزم التراجع عنه قريباً مثال مجسد على احترام حرية الرأي – فقط- إذا لم تتعارض مع قناعات المسؤول وما يريد سماعه.. فالخطوة – غير دستورية بالمناسبة- التي اتخذتها الوزارة وبها شمعت مواقع البحرين الجانحة شاهد ماثل على قصور فهم حرية الرأي.. فحرية الرأي ليست في أن تسمح ‘وتشجع’ ما يوافق رؤاك؛ بل أن تسمح حتى مع ما يتعارض مع مواقفك وقناعاتك.. وسياسة الحجاج بن يوسف الثقفي التي تبنتها الوزارة – والقاضية بقطع وصلات المواقع البحرينية يمنةً وشمالاً- كانت محكومة بما يقال وما لا يراد له أن يقال.. أضف لانتقائيتها تلك خطيئة أنها ساوت بين المواقع الإباحية ومواقع الرأي وحقوق الإنسان فارضةً عقاباً جماعياً يطال – أشد ما يطال- من هم مثلي ممن نسيتهم الطفرة الرقمية بين أرفف الكتب والمجلدات!!
 
فأحياناً.. وأحيانا كثيرة.. يبدو لي – وأنا أتجول في ردهات الشبكة العنكبوتية أقتفى نبض الشارع- أنني الوحيدة التي سرى عليها قرار الحظر!! فالشباب ‘الضالون’ والفتية ‘المغرر بهم’ الذين أرادت الوزارة الحجر على ما يرون ويقرؤون، فكوا الحظر في يومه وقفزوا على المنع.. وما وقع فيه ألا أمثالي الذين لا أرى في منعهم نصراً للوزارة ولا لحراس بوابة المعلومات الأشاوس!!

مؤخراً أصدرت منظمة حقوق الإنسان دراسة من 148 صفحة تحدثت فيها عن الملايين التي تهدرها 14 دولة عربية في رقابة الإنترنت دون جدوى ‘ولم تكن البحرين قد شرَّفت القائمة بعد’ وخرجت الدراسة بنتيجة مفادها أن الرقابة على الإنترنت عبث، موصيةً الدول المعنية بتوجيه تلك الملايين لبناء قواعد معلومات ومنافذ إخبارية محايدة ومنابر حوار رصينة عوضاً عن هدم صوامع ما هو قائم من دون إيجاد بديل!!

وكم نأمل من وزيرة الثقافة والإعلام، الوزيرة الجميلة المثقفة التي توسمنا فيها – وما فتئنا- الكثير.. أن تتخذ خطوة شجاعة بالتراجع عن القرار الذي دُشِّن في عهدها.. ولمرة واحدة؛ على سبيل التغيير؛ لا تنتظروا ضغط المنظمات الدولية ولا تقريع بياناتهم، بل انظروا لنا نحن.. واحترموا رغباتنا؛ وإن كانت تقضي بوضع الخيار في البيتزا!!
 
الوقت 16 مارس 2009