المنشور

كفانا هدراً للوقت


غاب صوت العقل وغابت معه مصلحة الوطن بكل مكوناته، المكان والصوت الراجح هو لقوى العنف والعنف المضاد، فمن ناحية الناس وكأن المكان قد أصبح فارغاً لمجموعات من الشباب تُغلب منطق اللاعقل على منطق العقل. كيف لنا أن نقبل استمرار حرق الإطارات وحاويات القمامة والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، بل إن الأمر قد تجاوز ذلك بكثير ليصل إلى درجة الاعتداء على أجسام الآخرين وبما يلحق بهم تشوهات جسمانية أو قد يفضي بهم إلى الموت. إنها أعمال غير محسوبة النتائج تصدر من أناس لم يصل مستوى التفكير لديهم لإجراء جردة حساب بسيطة تبدأ بسؤال النفس ماذا نريد؟ هل يمكن لأساليبنا أن تحقق ما نريد؟

إن الأمر المؤسف هو أن هذه الحركات التي تُسمى ‘احتجاجية’ ويدعي أصحابها أنها موجهة ضد السلطة، هي في واقع الأمر موجهة ضد من يقوم بها في المقام الأول، فهي تتم في الأحياء التي يسكنها الناس، وحرق الإطارات تضر بصحة أولئك الناس، حاويات القمامة يستخدمها الناس، فلو لجأت البلدية لإزالة تلك الحاويات مثلاً، فمن سيكون المتضرر؟ المناطق السكنية بأهلها ومبانيها بأطفالها وشيوخها ونسائها هي المتضرر الأول. في ظل ممارسات قوى الشغب غير السوية وغير المحسوبة، فإن أعمال العنف المتبادلة قد تودي بحياة طفل أو امرأة أو رجل لا ذنب لهم في المواجهات التي تجري في تلك المواقع.

إننا نشعر أن هؤلاء الشباب ومعظمهم قد يكونون من الأحداث أو الصبية الذين هم في العشرينات من العمر على أقصى تقدير لا يعون ولا يفقهون نتائج أفعالهم على أنفسهم وعلى أسرهم وعلى الوطن، لا يحركهم العقل، بل تحركهم مشاعر مختلطة بأفعال يعتقدون أنها أفعال نضالية وسياسية يحققون بها مطالب وطنية. إن حالة العنف السائدة الآن لن تؤدي إلا إلى المزيد من المعتقلين والمحكومين، وربما إلى أكثر من ذلك بكثير، خصوصا إذا ما أدت أعمال العنف المتبادلة بين الطرفين إلى إزهاق بعض الأرواح البريئة. هنا نقول إن على القوى السياسية وبالذات تلك القوى المصنفة على أنها قوى المعارضة، يقع عليها عبء تصحيح المسار بالعمل الصبور والدؤوب. على هذه القوى أن تكون أكثر صراحة مع نفسها ومع بعضها البعض للضغط باتجاه وقف أشكال العنف كافة.

ونحن إذ نأسف، نقول إن العبء الأكبر في ذلك يقع على جمعية الوفاق الإسلامية وإلى حدٍ ما جمعية العمل الإسلامي ومرجعياتهما الدينية وفي مقدمتها المجلس العلمائي. نحن لا نذهب بقولنا هذا إلى أن الجمعيتين والمرجعيات الدينية هي وراء أو مع تلك الأعمال العنيفة، لكننا نعتقد أنها الأكثر قدرة من قوى المعارضة الأخرى بأن تقول لهؤلاء الشباب كفى وتوقفوا عن هذه الأعمال، وأنه من اليوم لن يكون هناك لكم أي غطاء سياسي أو ديني وتتحملون نتائج أعمالكم. الوضع لم يعد يحتمل شعار رفض العنف من جميع الأطراف، بل المطلوب أن يشعر هؤلاء الشباب أنه لا يوجد لهم أي غطاء من القوى السياسية أو من المرجعيات الدينية.

كان ذلك من ناحية الناس، أما من ناحية السلطة فالوضع لا يختلف كثيراً، فإننا نشك بأن هناك في السلطة جهات ما تعمل على التصعيد، نعتقد أن قليلاً من الحكمة تقتضي السماع لرأي الناس، فليس من المنطقي تجاهل سماع مطالب الناس وشكوكهم، بل والتكابر عليهم وكأن الحال يقول القافلة تسير و(……) كما أن الحلول الأمنية والإفراط في اللجوء إليها لم تحل المشكلات ولن تحلها.

جهاز من أجهزة السلطة ‘ربما بحسن نية’ وفي ظل حالة التصعيد السائدة نراه يبث برنامجاً تلفزيونيا يساعد على إشعال الحريق بدلاً من المساهمة في إطفائه؛ فقد تابعت في الأسبوع الماضي جزءاً من برنامج تلفزيوني على شاشتنا الفضائية استضاف فيه مقدم البرنامج كلاً النائب الوفاقي جواد فيروز والنائب السلفي جاسم السعيدي والنائب السابق المحامي فريد غازي، فلا بعض الضيوف بنوعياتهم عناصر توحيد وطني، ولا موضوع الحلقة وخطاب الحلقة عنصر توحيد وطني، فهل مثل هذه البرامج من جهاز مسؤول تُمثل حكمة ومسؤولية؟

نريد أن نكون أكثر ثقة بقوانا السياسية وشخصياتنا الوطنية وفعالياتنا المجتمعية، كما نريد من السلطة أن تثق في تلك القوى وهي قوى مخلصة بكل تأكيد للوطن وأن تبدأ بالحوار معها حول جميع القضايا، على أن يكون هذا الحوار صريحاً ودائماً ومستمراً وبما يزرع الثقة في النفوس ويطهرها من الشك والريبة وحالة العداء.

من دون ذلك فالوطن مهزوم وكلنا مهزومون.

فكفانا هدراً للوقت، فمن سيدعي النصر هو مهزوم بكل تأكيد.


الوقت 16 مارس 2009