المنشور

قمة تحويل التهديدات إلى فرص


مع استمرار فعل الأزمة العالمية الشاملة تستعد دول وأقاليم لمراجعة مجمل منظومة العلاقات الدولية القائمة وإعادة صياغتها خلافا لعالم القطب الواحد الآفل. ففي الأسبوع الماضي تقاطر على طهران قادة عشر دول ليعقدوا القمة العاشرة لمنظمة التعاون الاقتصادي التي اختلفت في روحها عن كل القمم السابقة. وقد استضافت القمة نائب الرئيس السوري والأمير القطري.
 
تأسست منظمة التعاون الاقتصادي عام 1985 من قبل إيران، باكستان وتركيا. وأصبحت وريثة منظمة «التعاون الإقليمي من أجل التنمية» التي تأسست عام 1964 من الدول الثلاث نفسها لكنها انحلت بعد الثورة الإيرانية عام 1979. في 20 نوفمبر 1992 انضمت إلى التحالف الثلاثي ست دول سوفييتية سابقة، هي أذربيجان، كازاخستان، قرغيزيا، طاجاكستان، تركمانيا وأوزباكستان. وقد تتوج تشكيل المنظمة بانضمام أفغانستان كعضو عاشر.
 
تغطي المنظمة حوالي 8 ملايين كلم مربع بسكان يزيدون على 300 مليون نسمة وتمتلك احتياطات هائلة من الموارد الطبيعية. وتعتبر طهران مقر الأمانة العامة للمنظمة التي تمارس التنسيق والرقابة على أنشطتها. وتعتبر المجالات التجارية الاقتصادية، النقل والاتصالات، الطاقة والوقود والمجالات الاجتماعية الإنسانية هي اتجاهات التعاون ذات الأولوية.
 
روح المناقشات والمشاريع المطروحة أعطت القمة قيمة اتجاهية نحو عالم ما بعد الأزمة والقطب الواحد وكشفت عن تناقضات الأقطاب في داخل المنظمة. في خطابه الافتتاحي أشار الرئيس الأذري والرئيس السابق للمنظمة إلى أنه خلال الفترة الماضية جرت محادثات مثمرة بين الأعضاء حول زيادة التعاون في مجالات أمن الطاقة وطرق الشحن وغيرهما من المجالات.
 
الرئيس الإيراني ورئيس المنظمة الحالي نجاد لخص الوضع العام بأن «عهد الرأسمالية العالمية يقترب من نهايته، وأصبح من الضروري أن تقوم الدول بإعادة تكوين صيغ جديدة لتعاونها التجاري الاقتصادي»، أكثر عدلا واعتبارا لحقوق الأمم. ودعا على الفور إلى اعتماد وحدة نقدية موحدة في عمليات حسابات التبادل بين أعضاء المنظمة، ثم فيما بينها والبلدان الأخرى باعتبار ذلك من أحد أهم الإجراءات للتغلب على الأزمة.
 
كانت القمة فرصة للتداول في تسوية مسائل العلاقات الثنائية والجماعية بين البلدان الأعضاء. فالرئيس الأذري التقى مرشد الثورة الإسلامية خامنئي والذي ينحدر إثنيا من أذربيجان الإيرانية. أكد خامنئي وعلييف على وجود آفاق رحبة لاستمرار توسيع الروابط المتبادلة بين البلدين.
 
وأثناء القمة قال الرئيس التركي عبد الله غول ما لم يقله أحد بهذا الوضوح بشأن تطور العلاقات الإيرانية الأميركية: «تغير الموقف 180 درجة، لكن المشاكل التي بقيت معلقة سيصعب حلها بين ليلة وضحاها»، ملمحا إلى دور تركي بهذا الصدد خصوصا مع قرب زيارة الرئيس الأميركي أوباما لأنقرة في 6 ابريل القادم.
 
غير أن نجاد أراد أن يقطع الطريق على نظيره التركي حين أكد في المؤتمر الصحافي المشترك لقادة ووفود الدول الأعضاء في المنظمة أن إيران لا تحتاج إلى وسطاء مع أميركا، وأنها مستعدة لإجراء الحوار فقط في ظروف «العدل والاحترام المتبادل«. أما خامنئي فحذر من أن هناك أعداء لتطور العلاقات بين تركيا وإيران «خصوصا من الأميركيين والصهاينة».
 
ولعلنا في هذه التجاذبات نقرأ المصالح والتناقضات الداخلية معا للدول الكبار في المنطقة. النخبة التركية، كما يشير رئيس معهد الشرق الأوسط التابع لأكاديمية العلوم الروسية يفغيني ساتانوفسكي، ترى أن المكانة التي ستحتلها تركيا يجب أن تتخطى الإطار الذي عرفه القرن العشرون.
 
لم تعد تركيا تقبل بدور عضو الجناح الأيمن لحلف الناتو العسكري، والواقف في طابور الانتظار على باب عضوية الاتحاد الأوروبي. إنها تتحسس جيرانها وتنظم التحالفات وتواجه المنافسين باحثة عن «مكان تحت الشمس» في عالم الغد.
 
قطر هي الدولة الخليجية الوحيدة التي أبدت اهتماما عمليا بالقمة. فقد حضر أميرها ليشارك في البحث مع رؤساء كل من إيران، تركمانيا، أذربيجان مع الرئيس التركي في إمكانية تنفيذ مشروع «نابوكُّو» (Nabucco) الذي يشكل هو الآخر موضوع تعاون وصراع استراتيجيين. إنه مشروع خط أنابيب نقل الغاز الذي يجب أن يمتد من بحر قزوين إلى أوروبا الغربية، وقد كان عمليا مدار بحث من قبل كل هذه البلدان في السابق ( ما عدا قطر).
 
فبينما تريد إيران أن تصبح حلقة وصل بين تركمانيا وتركيا لنقل الغاز دون حاجة حتى لمد خط أنابيب عابر لبحر قزوين. فإن تركيا لم تكن ترغب أبدا في أن تصبح مجرد بلد عبور لغاز قزوين إلى أوروبا، بل تريد شراء كل الغاز القادم على حدودها الشرقية ثم تقوم بإعادة بيعه على حدودها الغربية على غرار ما تفعله «غازبروم» الروسية بشراء كل الغاز القادم عند الحدود الروسية.