المنشور

العــــــــودة إلــــــى الأرض‮


حين تتاح الفرصة كافية لأبنائنا باستمرار للمشاركة في تعزيز قيمة الانتماء للأرض عبر المساهمة في زراعتها وإزاحة الأنقاض عن كاهلها والمحافظة عليها بشتى السبل، نكون قد هيأنا جيلاً لا نطمئن عليه فحسب؛ لكن سنطمئن على الأجيال التي ستعقبه، ذلك أن هؤلاء الأبناء المخلصين تركوا بصماتهم بقوة وبحنو في الوقت ذاته على هذه الأرض.  
 
مناسبة هذا الموضوع انطلقت من إطلاق منظمة أغذية لندن حملة عامة تدعو إلى استعمال شرائط الأرض المحاذية لقنوات لندن، لزراعة المحاصيل الزراعية، حيث يمكن تقسيمها إلى أكثر من ألفي قطعة وذلك لتعزيز وعي الأجيال الناشئة بأهمية زراعة وإنتاج الغذاء؛ وستعطى المدارس وهيئات مجتمعية مختلفة أخرى المسؤولية عن العناية بها وزراعتها.  
 
كانت مصلحة الممرات المائية البريطانية التي تشرف على مائة ميل من القنوات والأنهار في لندن، أحدث جهة توقع على مشروع باسم نمو رأس المال المصمم لاختيار أراض مناسبة بمحاذاة الممرات المائية وقد دشن هذا المشروع فوق بقعة من الأرض بمحاذاة قناة في شرق لندن وقام بالتوقيع رئيسة منظمة أغذية لندن روزي بويكوت. مثل هكذا مشروع لا شك أنه رائع؛ فالقنوات توفر لهم الكثير من الضفاف التي يمكن لهم تحويلُها إلى مسطحات مختلفة الأشكال والأحجام لزراعة المحاصيل فيها، ما سيعود بفوائد جمة على القنوات والمجتمع، ويساهم في تثقيف النشء في مجال إنتاج الغذاء. ويتوقع أن تفتح مختلف الهيئات كالمجالس البلدية والمدارس والمستشفيات ومجمعات السكن الشعبي والمتنزهات، أراضيها لهذه المبادرة التي ستنتج بالمقابل مشروع صنع الأسمدة.  
إن التفكير في هكذا مشاريع يعد مسألة مهمة إذ تعيدنا لنا علاقتنا بالأرض وإنتاج الغذاء بعد أن كدنا نفقد علاقتنا بالأرض وإنتاج الغذاء وبعد أن فقدنا هذه العلاقة عبر السنين ما أثَّر سلباً على العائلات، حيث ودون مبالاة ترمي لندن من الطعام ما يقدر بثلاثين في المائة مما تشتريه من مواد غذائية وذلك بعد أن فقدت هذه الأسر التقدير والاحترام للغذاء، ولم تنتبه إلى أن هذه المواد الغذائية لا تسقط عليهم من السماء بسحر ساحر، بل تنبت من بذرة؛ وقد كان اتحاد المزارعين الوطني بلندن قد أجرى العام الماضي بحثاً مثيراً بمناسبة سنة الغذاء والزراعة؛ وقد وجد أن ثلاثة وتسعين في المائة من الصغار يغيرون عادات أكلهم إذا رأوا بأعينهم ما يحدث عندما يضعون بذرة في الأرض، فتنبت منها جزرة أو لوبياء أو أيٌ شيء آخر؛ وهذا أمر مهم بالنسبة للصحة العامة.
 
 وتسعى مصلحة الممرات المائية البريطانية إلى تشجيع الناس على استعمال القنوات المائية المجاورة لهم بشكل أكبر، واستغلالها لإنتاج المزيد من الغذاء، بل يمكن تحويل القوارب غير المستعملة الراسية في القنوات إلى مستنبتات عائمة لإنتاج الخضار. والتفكير الإيجابي الخلاق يجر إلى مثله، حيث قامت مصلحة الممرات المائية البريطانية إلى منح القوارب غير الصالحة للعمل إلى الضواحي السكنية أو إلى رابطة محلية لاستعمالها لزراعة الخضراوات بدلاً من رميها. 
 
 وقعت على هذا المشروع الذي دشن في نوفمبر 2008 حتى الآن أربع عشرة مجموعة، وتفكر مصلحة الممرات المائية البريطانية في تعميم هذه التجربة على كامل الشبكة المائية في بريطانيا والبالغ طولها ألفين ومائتي ميل.  مثل هذا المشروع وهذا التفكير كم من الوقت نحتاجه لتنفيذهما؟!
 
الوطن 15 مارس 2009