المنشور

في يوم المرأة.. ماذا يراد للمرأة؟!


احتفل العالم في الثامن من مارس الجاري باليوم العالمي للمرأة, ذلك اليوم الذي كرسته مختلف شعوب ودول العالم ومنظماته للاحتفاء بالمرأة وبإسهاماتها الحضارية في صنع الحضارة البشرية, وفي سبيل عالم أفضل يستحق أن يعاش وتزدهر فيه الآمال والطموحات, والتي لم تكن المرأة يوما في منأى عنه بل كانت على الدوام في صلبه, ورسخت من خلاله بصمات لا يمكن أن تمحى مهما حاولت يائسة بعض القوى الطارئة, كدليل على عمق أزماتها وعدم استيعابها لأبسط مقومات التطور البشري والحضاري, والتي تبرز المرأة من خلاله باعتبارها بالفعل حجر الزاوية في مسيرة البشرية التي لن يستقيم عودها أبدا من دون أن تترك للمرأة تلك المساحة الواسعة والمنتظرة للارتقاء بشعوبها بمعية الرجل في عملية البناء والتنمية.

وعلى عادتها السنوية احتفلت الجهات المدافعة عن قضايا المرأة من اتحادات وجمعيات نسائية بهذه المناسبة السنوية, وسط دعوات لم تتوقف بإعطائها كامل حقوقها, خاصة في بلدان العالم الثالث, التي تحاول بعض القوى الطارئة جاهدة فرض رؤاها التي لا تنتمي لهذا العصر, عبر ممارستها لسطوتها في مختلف المواقع التي أصبحت بفعل تخلف الوعي وأدوات الممارسة الحضارية لمجتمعاتنا, تحت رحمتها وبرسم قرارها, ضاربة عرض الحائط بكل القيم والنجاحات والانجازات الكبيرة التي أحدثتها المرأة في مجتمعاتنا عبر مسيرة شاقة من الكفاح على طريق التخلص من ظلامية الجهل والعبودية والامتهان, التي مورست وتمارس بحقها, متذرعة بكثير من الشعارات التي تستحضرها عنوة, فتارة عبر تجيير الفهم المجتزئ للدين, ودعاوى قصور مصطنع في فكر وعقل وقدرات المرأة, ومرات عدة عن طريق فرض الوصاية الفوقية على المرأة عبر تعطيل القوانين والتشريعات التي تهتم بقضايا المرأة والأسرة كما يحصل لدينا هنا في البحرين.

وفي تعارض مع كل التوجهات العالمية الهادفة لإنصاف المرأة العاملة والمرأة بشكل عام, فقد انشغل مجلس النواب البحريني منذ أكثر من أسبوعين بنقاشات بيزنطية في معظمها لدى مناقشة قانون العمل الجديد المعروض على البرلمان, حيث دارت نقاشات لا يمكن أن نفهم بعض مراميها إلا باعتبارها تكريسا لتلك السطوة المقيتة التي دأبت بعض القوى الممثلة لبعض تيارات الإسلام السياسي, ومنذ الفصل التشريعي الأول, فيما يتعلق بمواد محددة تمت مناقشتها مجددا, بحضور وزير العمل مجيد العلوي, الذي أبدى دفاعا مشكورا عن حقوق المرأة العاملة, حيث كان الحديث يدور حول توصية لجنة الخدمات بالمجلس بإضافة مادة جديدة في القانون محل البحث تنص على «أن يكون للمرأة العاملة في المنشأة التي تستخدم مائة عامل فأكثر الحق في الحصول على إجازة بدون أجر لمدة لا تتجاوز سنتين وذلك لرعاية طفلها, ولا تستحق هذه الإجازة أكثر من مرتين طوال مدة خدمتها», وكانت خلاصة رد سعادة الوزير على تلك المقترحات والتي ربما يُفهم من ظاهرها أنها تعني خيراً للمرأة, وهي على العكس من ذلك تمامًا, حيث قال الوزير «إن من شأن تلك المادة لو أضيفت إلى القانون أن تتسبب في عدم توظيف النساء, وسيتجنب أصحاب العمل توظيفهن», وبعد مداولات كان بعضها ينم عن تبييت النية لإرجاع المرأة إلى الوراء كما تطمح واهمة بعض تلك القوى, حيث أعلن احد الأخوة النواب المساندين لتلك المادة «أن جلوس المرأة في البيت أفضل لها, وتلك لعمري مقولة سمعتها شخصيا منذ الفصل التشريعي الأول, وهم إذ يبدون منسجمين إلى أبعد الحدود مع ما تضمره نواياهم غير المعلنة في هذا الشأن بعيدا عن مصالح المرأة العاملة أساسا, والقاضية بجر المجتمع بأسره لقبول فكرة أن يكون موقع المرأة هو بيتها وليس مجتمعها الواسع الرحب, الذي ينتظر المزيد من إسهاماتها.

وكنت قد حذرت من مغبة التسليم بتلك الدعوات من خلال ندوة حوارية حول حقوق المرأة العاملة عقدت منذ أكثر من خمس سنوات في منزل إحدى الناشطات, بضرورة التصدي لها بعقل ومنطق من قبل الجميع وفي مقدمتهم المؤسسات والجمعيات النسائية لمثل تلك التوجهات المراد منها أعادة المرأة إلى حيث تريد بعض تلك القوى المتربصة بها, وهي بالمناسبة من بين تلك القوى التي تقف بكل صلابة أمام سن تشريعات للأحوال الشخصية والأسرية تحت ذرائع أصبحت معروفة للجميع, وهي ذاتها المطالبة بعدم تمكين المرأة تحت حجج وفتاوى الولاية العامة التي تستنسخ وتستورد من بعض قوى دول الجوار أحيانا.


الأيام 15 مارس 2009