المنشور

مؤتمر دولي في طهران والبعد السياسي


إن كل متفحص سياسي بإمكانه تلمس ذلك الركض «الاسلاموي» لغايات ما عادت للإخفاء أو الادعاء بأن تلك التهم القديمة ليست إلا مجرد أقاويل تستهدف التجريح بالدور الحقيقي لهذه الدولة أو تلك. فهناك في الحلبة الدولية عدو ضد الإسلام والعرب بدأ يقرع جرس الإنذار بأنه سيقتحم دار الإسلام كما هي خطابات التطرف الديني الذي كان سببا في بناء قلاع بين حضارات متباينة, اكتشفنا أن تلك الجسور المقطعة لابد من إعادة بنائها بين الحضارات المعاصرة, في زمن حاولت كل خطابات التشدد بالعودة إلى مشاعل القتل والتدمير والتفجير.

وقد اكتشفنا أن الأعداء ليسوا الصليبيين الجدد كما رفع رايتها أولئك المتشددون كحجة على خطابات مضادة هنا وهناك في البيت الأوروبي. فهل صلحت أمور المسلمين بعد تلك المؤتمرات أم انها ظلت كامنة تحملها مراكز إسلامية واضحة بدأت تواصل مطارقها ضربا على الجدار العربي, ساعية إلى بتر وتمزيق جناحي الإسلام وبناء بعد سياسي من خلال الرؤية والحجة الإسلامية كلما برزت المسألة الفلسطينية وقضية القدس.

فهل يحمل مؤتمر طهران الدولي بعدًا سياسيًا جديدًا لرص الصف الإسلامي محاولة طهران إبراز دور الجمهورية الإسلامية وثورتها كرائد طليعي للإسلام «الثوري» متهمة الآخرين دون تحديد الأسماء بأنها إسلام في حضن الامبريالية!! هكذا تختلط السياسة وألوانها بين الأسود والأبيض, دون معرفة أن عالم السياسة ولعبتها ولعبة المصالح والعلاقات الدولية ليست بذلك التبسيط الرياضي الحسابي, فهناك تداخل في الألوان وتميزها, فعالمنا أكثر تشابكاً واختلاطًا وتداخلًا بل وصار بدرجة لا يمكننا أن ندخل في قطيعة أو صراع دولي بالصواريخ النووية! لمجرد أنها وضعت إيران في «الحجر الصحي» منذ بروز الثورة وتصديرها وتصدير أفكارها في خلق نموذج عالمي واحد كما تريده.

من تأمل خطاب المرشد الأعلى في المؤتمر وخطاب رئيس الجمهورية احمدي نجاد, يقرأ ليس دلالات واضحة للتطرف والخيال الخصب لتدمير إسرائيل ودورها المتضخم في نظر طهران, التي ترى أن إسرائيل خصمها اللدود, وهو الذي يحاول في المحافل الدولية وفي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عزلها بتضخيم البعبع الإيراني النووي, ولا بد من وضع حد لذلك البعبع القادم في الشرق الأوسط.

هذان الخطابان اللدودان في المنطقة يجران خلفهما العالم دون أن نفهم لماذا يتصاعد الخطاب في كل مناسبة تهتز فيها منطقة الشرق الأوسط بالنزاع المسلح بين إسرائيل والعرب, فتجد إيران ورقتها حامية ومشروعة لكونها تجد أن خطابها هو الأهم في الشارع العربي والإسلامي, فهو اقرب للعاطفة التي لا يمكنها أن تتجاوز سقفها المحدود, فيما تجد إسرائيل فرصتها التاريخية لكل صاروخ يسقط على أمتار من مستوطناتها بالبكاء الدولي, وهي تمسرح لعبة كاذبة بكونها الضحية التاريخية. فهل تستمر تلك القصص الإعلامية والسياسية بين طهران وتل أبيب, فيما راحت تلك الورقة الفعلية الخفية تبحث عن وسيط عربي وإسلامي ودولي لحل ذلك الخلاف التاريخي بين الجميع دفعة واحدة, فإذا ما تمت معانقة طهران وتل أبيب انتهت تلك اللعبة, بعد أن ترفع يدها إسرائيل عن مشروع حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم ويعم سلام دائم.

أما نصوص المرشد ونجاد في انتهاء إسرائيل للأبد, وان الفساد والفسق يمزقها وبأن انهيارها قريب!! فيما راح المرشد يعلي خطابه, بأن المسلمين ودولهم تراخوا وتهادنوا ـ وغيرها من مفردات ونصوص الإذلال للجامعة العربية والعرب ـ إذ لم يرَ إلا في الجهاد وحماس قوة بديلا ًلفلسطين قادمة.

هكذا يتم بناء أحلام من ورق على تربة تجرفها أمواج البحر. تمنيت أن لا تصبح القدس والقضية الفلسطينية موضوعا من الكارتون, إذ نعود كل مرة بقوتنا الإسلامية الهائلة لنجعله مجرد بيت إسلامي ممزق لا يجيد خطاب السياسة الواقعية وحقيقة العصر, عصر لا ينتمي لزمن الخيول والسيوف والدروع, وأشعار ومعلقات وغنائم.


الأيام 15 مارس 2009