المنشور

حسابات العقل والمنطق والمصلحة..!


هل نلام إذا اعتقدنا أن الإشارة التي ذكرناها في موضوع ثقافة الإنتاجية، وتحديداً في شأن من يعتبرون الوظائف من حقوق المواطنة بمعزل عن قيمة العمل والإنتاج، وأنه في الدول المتقدمة ليس هناك من يتعامل مع مؤسسات القطاع الخاص وكأنها مؤسسات خيرية وغير منتجة أنشأت لرعاية العاملين فيها.

هل نلام إذا اعتقدنا أن هذه الإشارة مست وتراً حساساً لدى بعض أصحاب الأعمال، وقد ترجمت ذلك بعض الردود والاتصالات التي وجدنا فيها من يرى أن ملف العمل والإنتاجية يستلزم حواراً وطنياً جاداً باعتبار أن هذا الملف هو التحدي الرئيسي لعملية التنمية وللرؤية الاقتصادية المستقبلية، وآخر يرى أن إنتاجية العامل البحريني منخفضة بشكل عام، وأن المعضلة تكمن في المناهج التعليمية العقيمة وأسلوب التعليم الخاطئ علاوة على قوانين وإجراءات العمل حتى أصبح كثير من العمال مدللين يتمردون بصفة مستمرة على صاحب العمل، من دون أن ننسى حقيقة أن هناك بالمقابل فئات من العمال البحرينيين الذين يتمتعون بأخلاقيات مهنية عالية وعلى استعداد دائم للتأهيل والتطوير والعمل الجاد المنتج.

هناك رد ينتقد فرض نوعية من العاملين على أصحاب العمل لا علاقة لها بالكفاءة ولا بالإنتاجية ولا بأي قيمة لها اعتبار في سوق العمل، ولا تعي حتى التفرقة الصارمة التي يفرضها الإسلام بين من يعلمون ومن لا يعلمون، وبين من يعملون ومن لا يعملون. ويضيف: «لماذا انفردنا ومازلنا ننفرد بقوانين وسياسات تعامل مؤسسات أصحاب الأعمال وكأنها كما ذكرتم مؤسسات خيرية أنشئت لرعاية العاملين فيها، وبكل حسابات العقل والمنطق والمصلحة والأرقام، هل ترون أن المعنى النهائي لهذه السياسات هي في صالح العمال؟».

هو تساؤل أزعم أنه جوهري، والإجابة من صاحب العمل الذي يقول: إن المعنى النهائي لكل هذه السياسات هو أن إنتاجنا لن يكون قادراً على المنافسة في أي سوق خارجي، وأن صناعاتنا الوطنية ستظل أسوأ نوعاً وأعلى سعراً من الإنتاج الأجنبي، ومعنى ذلك عدم التوسع في الإنتاج وتراكم المخزون مما يعني بدوره نقص الأرباح الحقيقية وفرص العمل الجديدة، وهو ما يضر بالعاملين في النهاية أشد الضرر. رد آخر يرى بأنه لا يمكن تحقيق التقدم الاقتصادي في ظل شيوع شعور قوي بالحقوق لا يقابله شعور مماثل بالواجبات، منتقداً تشريعات العمل بأنها أخذت موقفاً معادياً ومناهضاً من أرباب العمل، وانحازت انحيازاً كاملاً للعمال، وخلقت بذلك خللاً كبيراً في التوازن بين حقوق طرفي العمل، بل وضيقت في نفس الوقت من حقوق وسلطات صاحب العمل بشكل لابد أن نعترف بأنه لم ولن يتماشى مع نهج الحرية الاقتصادية الحقيقية، أما في المجتمعات المتقدمة فإن شيوع روح المنافسة ووجود خطر دائم أن يفقد العامل غير المجد والمستهتر وغير المنضبط وغير المنتج عمله، يجعل شعور العاملين بواجبهم تجاه العمل قوياً لا يقل عن شعورهم بحقوقهم.

صاحب عمل آخر قال: ما نعانيه من فرض عمال غير مؤهلين، وغير مدربين، بل أحياناً غير مستعدين للعمل الحقيقي، جعل صاحب العمل في وضع غير منصف حينما يتحمل مسؤولية الخلل الحاصل في سوق العمل، وغير منصف حينما يعامل صاحب العمل وكأنه موضع شك أو اتهام، شك في صدقيته، واتهام في وطنيته، وأصبحت السهام الجارحة والمسمومة موجهة لشخص صاحب العمل لتظهره بأنه التاجر الجشع، الذي يقف أما ضد مكاسب العمال أو ضد البحرنة.

صاحب الرد تطرق إلى ما أسماه بمعاناة أصحاب الأعمال على مدى سنوات طويلة من التحيز للعمال في مواجهة أرباب العمل عند أي نزاع، وكذلك حماية العمال من الفصل حتى تحت الأوضاع التي تستدعي الفصل، بل حتى في الأوضاع التي تكاد فيها مؤسسة صاحب العمل أن تنهار.. يجد صاحب العمل أن يده مغلولة، في الوقت الذي نجد فيه العلاقة بين العامل ورب العمل في الدول الأخرى صورة من العلاقات العديدة في المجتمع الخاضعة برمتها لقوانين العرض والطلب والحرية الاقتصادية المطلقة. الموضوع بالغ الاستعصاء والتعقيد.. والكلام لاشك أنه مهم جداً.. وجاد جداً.. ويثير حقائق مرة على القلب واللسان تستدعي من جانب كل أطراف العلاقة اقتحاما حقيقيا للمشكلة بمنتهى الجدية من منطلق حسابات العقل والمنطق والمصلحة حتى لا يرى أحد في «حقوق العمال» بأنها انتقاص من حقــوق «أرباب العمل».
 
ألأيام 13 مارس 2009