المنشور

مؤتمر تكافؤ الفرص.. والحاجة لفهم مغاير!

في البحرين عقد منذ أكثر من أسبوعين مؤتمر المواطنة وتكافؤ الفرص، والذي دعت اليه ست جمعيات سياسية، هي الوفاق والعمل الإسلامي والعمل الوطني والمنبر التقدمي والتجمع القومي والإخاء الوطني، فيما غاب عنه احد المدعوين الرئيسيين والذي تيقنا لاحقا أنه السلطة التنفيذية، كما غاب إعلامنا الرسمي عن متابعة هذا الحدث الهام، وحضر الإعلام الأهلي والصحافة المحلية إلى جانب فضائية عربية شاركت حتى اللحظة الأخيرة منه في نقل وقائع الحدث. مؤتمر المواطنة هذا والذي تأخر تاريخ انعقاده قرابة الشهر بسبب الأحداث المؤلمة في غزة ، حيث كان مقررا له بداية أن يعقد في الأسبوع الأخير من شهر يناير الماضي، جاء ليقدم دليلا من جانب تلك القوى في القيام بدورها على طريق تحقيق الشراكة في إدارة شؤون الوطن، حيث أكدت وبرهنت كل تلك الجمعيات التي شاركت ومن خلال طرح رؤاها على حسها المسؤول وذلك من خلال الأوراق القيمة التي تمت مناقشتها في قضية تعتبر من بين الأبرز على الساحة السياسية، والتي لا تخلو من تعقيدات مركبة بحكم تشابكها وإسقاطها على أكثر من ملف وقضية متصلة بها، لعلنا نذكر من بينها ملف مفهوم المواطنة بكل إرهاصاته الضاغطة وملف التمييز أيضا بكافة تفاصيله وكذلك انعكاس ذلك على ملف مهم آخر هو ملف التمييز ضد المرأة والذي يتداخل مع ملف يعج هو الآخر بسوء الإدارة وتسعى الحكومة ذاتها لوضع حلول جذرية له وهو ملف الأحول الشخصية. تلك الملفات تمت مناقشتها في ذلك المؤتمر وتحت سقف واحد بحضور أطياف ذات تلاوين متباينة استشعرت فيما بينها هاجسا ضاغطا ومقلقا فتداعت بحكم مسؤولياتها للبحث فيه ووضع الحلول له هذا كل ما في الأمر، وكانت فرصة أمام السلطة التنفيذية والمؤسسات الرسمية ذات العلاقة كالمجلس الأعلى للمرأة والمجلس الوطني بغرفتيه وممثلي الوزارات المعنية أن يؤكدوا على قدرتهم على المشاركة والإسهام في وضع الحلول، كما سبق لهم أن كبروا جميعا في عيوننا إبان مناقشة القضايا الوطنية المختلفة طيلة السنتين الأخيرتين عندما قاد مسؤولو نادي مدريد نقاشات حقيقية معمقة تجاه مختلف القضايا وبحضور الجميع من ممثلي السلطة التنفيذية والجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات والصحافة وممثلي القضاء والشخصيات الوطنية تحت سقف واحد أيضا، وكان ذلك شاهدا على سعة الأفق والاحترام المتبادل من قبل الجميع وبحضارية يبدو أننا قد حسدنا أنفسنا عليها آنذاك! . مؤتمر المواطنة هذا الذي عقد تحت شعار لا يمكن أن يُختلف حوله، لما له من علاقة وثقى بأكثر من بند ومادة دستورية وبميثاق العمل الوطني الذي نعيش ذكرى المصادقة الشعبية التاريخية عليه وهو «بالمواطنة الكاملة نقضي على التمييز ونحقق مبدأ تكافؤ الفرص»، والذي عرضت خلاله أكثر من ست أوراق لباحثين يمثلون الجمعيات السياسية الست، بالإضافة إلى الحوارات الموسعة التي طرحتها بعض الشخصيات الوطنية التي حضرت النقاشات، علاوة على التعقيبات الرصينة التي أثرت وعمقت مضامين تلك الأوراق، حيث تم تناول مواضيع مثل المواطنة وتكافؤ الفرص والتمييز ودور مؤسسات المجتمع المدني وقضايا الأقليات والمرأة وحقوق الطفل والحريات وحقوق الإنسان والجوانب الشرعية ذات العلاقة، إلى جانب دراسات معمقة حول بعض التجارب الناجحة في دول سبقتنا ووضعت لنفسها تحصينات تشريعية وقانونية نزولا عند مصالح مجتمعاتها، وكان مؤملا أن تحظى تلك النقاشات بتداخلات وردود السلطة التنفيذية وربما تفنيدها وتوضيحاتها على ما قدم من رؤى وأفكار كانت جلها مهمومة بالشأن العام وكيفية تحقيق معالجات ناجعة لها، انطلاقا من تلك المحاور السالفة الذكر، وأعتقد جازما أن حضور ممثلي السلطة التنفيذية وبقية الرسميين المعنيين فيما لو تحقق لمثل تلك المؤتمرات فان من شأنه أن يكرس الكثير من الأمور الايجابية ويبلور مفاهيم أكثر رشدا وتعاطيا مسؤولا بصورة متزايدة حتى لدى القوى السياسية والمدنية مع الوقت، ويسهل من مهمة إدارة القضايا والملفات العالقة، والتي نعلم أنه لا يخلو منها أي مجتمع مهما بلغ من مثالية وحسن تنظيم، وفي هذا مكسب بل مجموعة مكاسب يمكن تعظيمها بكثير من الممارسة، ويريح البلد من كثير من الاحتقانات بدلا من ترك القوى السياسية تحدث بعضها بعضا، فهذا ليس من الشراكة في شيء. وبالمثل فان ذلك ينطبق على العديد من القضايا والملفات العالقة دون حلول، واذكر هنا انه مع تدشين ميثاق العمل الوطني كانت هناك مؤتمرات وعمل مشترك بين الدولة من جهة ومختلف القوى السياسية والمدنية والنقابات والجمعيات المهنية والتجار والمختصين من جهة أخرى، حول ملفات مثل البطالة وملفي تنظيم سوق العمل وصندوق العمل وكذلك جودة التعليم، وكان الجميع يشعرون بالمسؤولية والفخر معا، وبأنهم على الطريق الصحيح الذي دشنت له مضامين الميثاق، فما الذي جرى، فملفات مثل تنظيم سوق العمل والبطالة كانت مجرد مناقشتها كفيلة بإثارة زوابع وغبار، إلا أن القوى السياسية كانت قد برهنت على حسها المسؤول حين تم التعاطي معها، أملا في بلوغ حلول يكسب منها الجميع وهذا ما تم بالفعل فقد تراجعت البطالة بشهادة الجميع إلى أدنى المستويات بعد أن وضعت لها الحلول بل أن ذلك أضحى أمرا إيجابيا تتحدث عنه الحكومة بفخر في المنتديات الإقليمية والدولية ، كما يتم الآن تنظيم سوق العمل بكوادر وجهود بحرينية، ويأخذ صندوق العمل دوره في تمكين أبناء الوطن جميعا دون تمييز وفتح آفاق العمل والتوظيف أمامهم.
 
8 مارس 2009
صحيفة الايام