المنشور

ثقافة الإنتاجية ..


وزير العمل د. مجيد العلوي أكد مؤخراً على أهمية خلق ثقافة جديدة تدفع نحو الإنتاجية قائمة على التعامل مع المهارات وتتكيف مع رؤية البحرين الاقتصادية حتى العام 2030 . الرؤية الاقتصادية المذكورة تقول : ” إن معدلات إنتاجية الاقتصاد الوطني في البحرين لا تواكب المنافسة العالمية , وأن المتوسط العالمي لزيادة الإنتاجية بلغ 21% خلال الخمس وعشرين سنة الماضية, في حين أن زيادة معدل الإنتاجية في البحرين بلغ 17% فقط ” . مجلس التنمية الاقتصادية يرى في ثنايا الرؤية الاقتصادية بأن الفترة الراهنة هي فترة حاسمة في تاريخ البحرين, وأن ازدهارها في المستقبل يتوقف على إحداث تغيير جذري على مستويات عديدة لمواكبة العالم المعاصر أهمها تعزيز الإنتاجية واكتساب المهارات , إلى جانب الابتكار وتحديث الاقتصاد . صندوق العمل ” تمكين ” أكد أنه يولي اهتمامه بإعداد الكفاءات الوطنية وزيادة الوعي بمفهوم الإنتاجية والارتقاء بالتدريب المهني لرفع إنتاجية العامل البحريني لتعزيز قدراته التنافسية في سوق العمل وجعله أكثر جاذبية في التوظيف. مؤسسة ” كونغرس بورد ” وهي منظمة للأبحاث والأعمال العالمية أعدت دراسة بالتعاون مع منظمة الخليج للاستثمار خلصت إلى أن نسبة أداء قوة العمل في البحرين تقدر بــ 1,5 % , وهو اداء وإن كان أفضل من غيره في اطار منظومة دول مجلس التعاون , إلا أنه يبقى أداء متواضعاً ومتدنياً مقارنة بمناطق أخرى في العالم .

 الحديث عن الإنتاجية لا ينبغي أن يمر دون التأكيد على أهمية إخضاع هذا الموضوع من جانب ذوي العلاقة والاختصاص للدرس والتحليل والمراجعة والمعالجة, وإن كنا نرى أن سلسلة المشاكل والمظاهر السلبية العديدة التي تغمر حياتنا الآن إنما هي مرتبطة بشكل أساسي بالإدارة, فمسؤوليتها لا يمكن إنكارها , واذا كان ثمة التفاته أو مقارنة بين ساعات العمل والإنتاج التي يمضيها الموظف في أي مكتب حكومي لدينا مع ما يحدث في المانيا أو اليابان أو في أي دولة من الدول المتقدمة, فحتماً سيكون علينا أن نلاحظ :

 • ليس هناك من يحول مكتبه إلى مجلس, أو يحضر حضوراً سلبياً دون إنتاج يذكر أو يغيب ليوّقع آخر بدلاً عنه, ولا أحد هناك يجيء بابنه او ابنته الى المكتب , أو يقرأ الصحف أو يعطل أعمال و مصالح الناس, ولا أحد هناك يتمارض أو يطالب بإجازات مرضية مفتعلة أو وهمية, ولا أحد هناك يتحدث في مكالمات هاتفية خاصة في أوقات العمل الرسمي أو يهرب من العمل ليتسكع في هذا المجمع أو ذاك, أو ليقوم بزيارات مجاملة هناك أو هناك. لا أحد هناك يتساهل في سلوكيات العمل, ويجعل التسامح في الخطأ هو الأساس , والجزاء هو الاستثناء , ولا تعطى مكافآت لمن لا يعمل , وليس هناك من يغرم بالاجتماعات بسبب وبغير سبب لغاية ولغير غاية , اللهم البهرجة وتضييع الوقت, ولا أحد هناك يفصّل له وللمقربين منه مهام رسمية خارجية غير مبررة تفوق عدد أيامها عدد أيام عملهم . وهناك يؤمنون باستحالة حل المشاكل عن طرق صناعها, ولا يصبح المسؤولون أنفسهم جزءاً من مشكلات المجتمع وعبئاً عليه وتتفاقم باستمرارهم , ويدركون أن حل المشاكل دون تغيير جذري في أطر تكوينها هو أيضاً مستحيل, وهناك يربطون بين الإنجاز والكفاءة, ويؤمنون بالنظم الإدارية وليس بالأشخاص , ولا يتركون أعنة الحياة والمستقبل للصدفة, ويعملون من منطلق أن المستقبل هو ما نصنعه اليوم . هناك لا يأتون إلا بمن يمتلك أعلى درجة من الكفاءة لمناصب الرئاسة وإدارة الحياة العامة , ولا يركزون السلطة في يد أصحاب هذه المناصب مهما كانت كفاءتهم ومهما علا مقامهم, ولا يحوّل هؤلاء مساعديهم إلى خدم وأتباع, وهناك لا يغفلون مساءلة ومحاسبة كل من يتولى عملاً عاماً اذا اخطأ أو قصّر في أداء واجباته, وهناك يعرف ويرى الناس ويلمسون خلفية الثروات والشهرة والنجاح, ويدركون أنها قائمة على الجهد والجد والتميز والكفاح وتوظيف قدرات وابداعات, ويتقبلون ثروة وشهرة ونجاح أي كان في أي موقع من مواقع العمل والإنتاج لأنها نتائج طبيعية لمعطيات مرئية ومعروفة في أغلب الأحيان تحظى بالتقدير والإكبار, وليس نتاج استغلال الوظائف والانتهازية وتعارض المصالح والفساد والغموض والأمور الملتوية غير الشريفة التي أحكمت وتحكمت في الخفاء وجاءت الثروة والشهرة كنتيجة لها.

 • هناك لا يشخصون العمل العام ولا يعيرون اهتماماً بموجات مدح الذات , لأنهم يدركون بأن أي إنجاز هو ثمرة عمل مشترك . هناك يقدسون الوقت ويؤمنون عميقاً بحتمية احترامه, واحترام المواعيد, ويؤمنون بأن عدم احترام الوقت والمواعيد هو شرخ في المصداقية والكفاءة, وهناك ينظرون إلى الوظائف باعتبارها لازمة للعمل والإنتاج وتقدم الأوطان, ولا يعتبرون الوظائف من حقوق المواطنة بمعزل عن قيمة العمل والإنتاج, وهناك لا تعامل مؤسسات الإنتاج وكأنها مؤسسات خيرية أنشئت لرعاية العاملين فيها . هناك يؤمنون بأن التقدم والتحضر والتمدن مسائل لا تحققها الأموال الطائلة, وإنما تحققها منظومة قيم لا يحق لأحد أن يتجاهلها أو يتجاوزها وتأتي في مقدمتها قيم الإنتاجية , والابتكار والتغيير واحترام الوقت والضبط والانتظام والانضباط والإتقان ومفردات علوم ادارة الجودة . تلك عندهم قيم التقدم والتي تحظى بالإجلال والتقديس والاحترام , بل وتؤسس الحياة كلها على تلك القيم وأطرها, والحق والمنطق والصواب والحكمة يفرض ألا نغفل دور التعليم القائم على الإبداع وتأصيل تلك القيم, ودور « الإدارة « التي تبقى عصب النجاح في كل مؤسسات المجتمعات المتقدمة , وأي إنجاز على أي صعيد مربوط بمستوى التعليم وبكفاءة الإدارة, فمن خلالهما يمكن أن نخلق كل اطارات النجاح والتقدم, كما يمكن بنفس القدر أن نخلق كل اطارات الفشل والعقم , ومن غير انتباه لذلك فإن واقعنا الراهن لن يزيدنا إلا إمعاناً في التأخر وعدم قدرة على تحريك الواقع..!
 
الأيام 6 مارس 2009