المنشور

نحو عقد اجتماعي جديد

يعرف الكثيرون الدكتور غسان سلامة بوصفه وزيرا سابقا للثقافة في لبنان, لكن سلامة قبل أن يكون وزيرا, وقبل ذاك أستاذا جامعيا وأكاديميا, فانه واحد من خيرة الباحثين العرب في التحولات الاجتماعية – السياسية في البلدان العربية, خاصة في ذلك الفرع من علم الاجتماع الذي يمكن أن ندعوه بعلم الاجتماع السياسي. وفي هذا السياق وضع غسان سلامة الكثير من المؤلفات والدراسات لعل أبرزها كتابه المهم عن المجتمع والدولة في المشرق العربي, الذي شكل أحد أعمدة البحث الميداني الموسع الذي قام به مركز دراسات الوحدة العربية عن تحولات المجتمع والدولة في العالم العربي, وفي منهج الدراسة وأدوات التحليل عند غسان سلامة ما يذكر بتلك النباهة والعمق اللذين أظهرهما الباحث الفلسطيني المرحوم حنا بطاطو في دراساته المعمقة حول تاريخ العراق الحديث والحركات السياسية فيه. وغسان سلامة من موقع الباحث الليبرالي المنتصر لفكرة الديمقراطية صاغ ذلك التشخيص الدقيق عما دعاه اللحظة الليبرالية في تاريخ المشرق العربي, ويعني بذلك تلك الفترة الزمنية في التاريخ العربي الحديث التي شهدت تعددية حزبية وسياسية شرعية قبل أن يصار إلى مصادرتها عبر حكم الحزب الواحد. وثمة حاجة ضرورية لأي باحث في التحولات الاجتماعية – السياسية في البلدان العربية للعودة المستمرة لأعمال غسان سلامة, وفي نطاق انشغالي, في إحدى المرات, بإعداد ورقة لأحد الأنشطة الفكرية عن «البنى التقليدية والولاءات السياسية» عدتُ إلى بعض كتابات غسان سلامة التي كنت قد اطلعت عليها سابقا, فوجدت أن أعماله تقدم دائما آفاق معرفة جديدة, ومن بين تلك الكتب وجدت كتاباً, هو إلى الكتيب منه أقرب إلى الكتاب, إذا ما اعتمدنا حجم المادة وعدد الصفحات مقياساً, ولكنه إلى الكتاب أقرب إن نحن اعتمدنا عمق المحتوى وجديته ورصانته, فما أكثر الكتب التي تقع في مئات الصفحات لكنها خلو من كل محتوى أو إضافة. عنوان الكتاب هو : «نحو عقد اجتماعي عربي جديد «, وصدرت طبعته الأولى عن مركز دراسات الوحدة العربية في عام 1987. وإذ يدعو باحث رصين مثل غسان سلامة إلى إبرام مثل هذا العقد الاجتماعي العربي الجديد, فان ذلك دلالة على أن العقود السابقة, أو ما يشبه العقود قد تآكل أو فقد مشروعيته, وبات حقاً أن تجدد العلاقة السياسية العربية نفسها بشرعية جديدة من خلال مثل هذا العقد الجديد, الذي من شروطه توفير قدر واسع من الحرية بوصفها ضرورة لإعطاء المجتمع المدني قدراً من الاستقلالية في مواجهة الدولة. ويخلص الباحث إلى أن نظاما عربيا جديداً, سياسيا واجتماعياً, هو قيد الظهور. والخيار أمامنا هو أن نسهم في إنشاء هذا النظام أو ندعه يظهر لوحده وفقا لمنطق القوة ولمصالح القوى الأجنبية. وفي تحديد ملامح هذا النظام تبدو الحاجة ماسة إلى عقد اجتماعي جديد طرفاه الدولة من جانب والمجتمع الأهلي من جانب آخر, ومسؤولية المثقفين كما يرى سلامة, هي إعادة تشكيل الثقافة السياسية العربية بحيث تكون أوثق احتضانا لأفكار الشرعية الدستورية والمشاركة.
 
صحيفة الايام
4 مارس 2009