المنشور

ملف العار الكبير (2) .. نوابنا..أليس منكم رجل رشيد؟!

سحبت الحكومة المشروع الثالث لقانون أحكام الأسرة من مجلس النواب بعد رفض كتلتي الوفاق والمنبر الوطني الإسلامي للمشروع.. وتلويح الأصالة بالمثل.. ليجهضوا حلماً كهلاً بإصدار قانون ينظم فوضى المحاكم الشرعية مضت عليه 3 عقود ولم يتحقق.. ولتسويغها هذا الرفض تسوق القوى الإسلامية، التي يفترض فيها أن تكون الأكثر غيرة على الحقوق والشرف والأعراض التي تنتهك؛ تسوق مبررات خمسة حفظناها عن ظهر قلب:
أولها: قولهم – سيما الوفاق- إنهم ليسوا بأهل اختصاص، وأن البرلمان ليس الآلية المثلى لسن قوانين كهذه.. هم بذلك لم يأتوا بجديد؛ فأغلبنا يعلم أن جلَّ النواب متواضعو التعليم والثقافة.. ومع ذلك فهم يناقشون أمور الصحة والاقتصاد والبيئة وكل ما يقع في غير اختصاصاتهم!! وليس في هذا ما هو مستنكر؛ فلا يشترط في النواب أن يكونوا عباقرة، بل يفترض فيهم أن يكونوا أصحاب مبدأ وقضية وضمير وغيرة على مصالح البلاد والعباد.. لذلك؛ فالنائب مطالب بالاستعانة بأهل الاختصاص والدراية فيما لا يقع في اختصاصه – شريطة- أن لا يعبد ما يقولون؛ وأن يحتكم في النهاية للقسم الذي عاهد به الله والشعب.. والمعنى لا يحتاج لتبيان كما نظن!!
أما الذريعة الثانية التي ترهق أشد ما ترهق كتلة الأصالة وممثليها فهي أن هذا القانون ما جاء إلا نتيجة ‘لضغوط الاتفاقيات الدولية المخالفة للدين’ ويتغافل مرددو هذه الحجة السمجة أن كثيرا من مكاسبنا جاءت نتيجة لضغوط المجتمع الدولي والاتفاقيات العصرية.. ونسأل هؤلاء: ماذا رفضتم من أوجه الهيمنة الغربية من قبل لترفضوا ضغوطهم باتجاه حل أزمة لا تعانون منها أنتم بقدر ما يعاني منها النسوة والأطفال الذين هم على ما هو جلي ‘ الطوفة الهبيطة’ في هذه البلاد؟!!
بعض النواب يقول – نظريا لرفع العتب- إنه ليس ضد القانون ولكن حربه الضروس عليه هو رغبةٌ في ‘ضمانة دستورية تحمي القانون من الاجتهادات الوضعية’ ضمانة تمنع تنقيحه مستقبلا بما لا تقره المرجعية العليا في النجف الأشرف.. ونسأل هؤلاء:
أللدستور أن يحمي نفسه من التعديل والتغيير ليحمي هذا القانون أو سواه!!
أيبيح لكم هذا تعطيل حياة الناس وما يسيِّر مصالحهم بانتظار ضمانات لا وجود لها.. وخوفا من هواجس مستقبلية/ غيبية لا وجود لها إلا في مخيلتكم الثاوية؟!
أما مربط الفرس.. والأمر الذي يوجع نوابنا الذين وصلت الطائفية بهم إلى رموش أعينهم ‘وهو بالمناسبة لبّ الخلاف وجوهره’ هو أن القانون المطروح موحد.. أي أنه – كما يرون- يذيب الخصوصية المذهبية سواء لشيعة أهل البيت أم أهل السنة.. وهو ما لا يرتضيه نوابنا الذين وصلوا لمقاعدهم تلك لا لكفاءة ولا لمكانة استحقوها، بل لاعتبارات طائفية إجمالا؟!
ومن الدفوع الركيكة التي يسوقها النواب عندما يواجهون بالفظائع المعاشة هو الإنحاء باللائمة كلها على القضاة وفسادهم، وحصر الحل في تقويمهم من دون إقرار قانون.. وحق لنا هنا أن نسأل: إن كان القضاة كما تقولون فاسدين وغير مؤهلين وعبدة مزاج ومصالح، فكيف تتركون لهم مهمة جلل كتنظيم أحوال الأسر من دون نص أو قانون يستدلون ويحتكمون به وله؟!!
أعلينا أن نعود بآلة الزمن إلى صدر الإسلام لنأتي بقضاة متمكنين ورعين، أم نضع لمن هم موجودون ضوابط ونظم ليسيروا عليها؟! ما تعتقدونه حجة لكم، هو في الواقع حجة عليكم.. وانتم تعون ما نقول..
يبقى أن نقول إن كثيرا من أولئك النواب على قناعة داخلية بعدالة المطلب؛ ولكنهم لا يجرأون بالجهر بذلك لما فيه من تهديد لمصالحهم الآنية والمستقبلية.. ولعيون من؟! نساء وأطفال لا يملكون في الحياة نقيراً!!
- يتبع..
 
صحيفة الوقت
23 فبراير 2009