المنشور

المطالب المعيشية


لم تكن يوما مشكلات البحرين تنصب في الانتماءات الطائفية المتعددة لأبنائها، ولكن الضغط السياسي ونقص المشاركة السياسية أثر كثيراً في الحراك الاجتماعي، وزاد من ذلك تشويش العلاقات واهتزاز الثقة التي اتسعت دائرتها لأسباب عديدة من بينها عدم تحقق مطالب معيشية للمواطن، واتساع الفروقات الطبقية بسبب عدم توجيه مقدرات الدولة نحو تنمية متوازنة لتلبية احتياجات المواطنين في العيش بكرامة، ولتطوير البنية التحتية للأحياء السكنية، إذ أصبحت قضية السكن، مثلاً، في وقتنا الحالي مصدر قلق لمعظم الأسر البحرينية، وفي الوقت الذي تتكدس فيه عوائل كثيرة على بعضها البعض بانتظار وحدات سكنية وهي تشاهد من حولها مجمعات جميلة مخصصة ليست لهم.

لقد أدى الاستمرار في تغاضي الأسباب المعيشية لمشاكل البحرين الداخلية في رفع كفة فئة دون أخرى وهذا بالطبع لا يخدم الصالح العام، بل إنه إهدار للوقت وتبذير لأموال الدولة بحثاً عن حلول أمنية نعلم جميعا أن آثاراها مؤقتة في حال نجحت في تحقيق الأمن، لأن معالجة الجذور تتطلب النظر في سبل تحقيق العدالة الاجتماعية، وهذه تتطلب تحقيق مطالب معيشية عادلة.

واقع اليوم المعاش يفرض تقديم بعض التنازلات وتصحيح بعض الجوانب المعيشية من الدولة التي يمكنها أن تفعل ذلك من خلال تنفيذ بعض الوعود التي سمع عنها الناس كثيرا، لاسيما في جانب رفع مستوى المعيشة وتوفير وحدات سكنية لائقة وتحسين البنية التحتية، وتوسيع إمكانيات المدارس والمراكز الصحية، وتوفير حدائق وخدمات عامة والحد من الفساد وإهدار المال العام، وهذه كلها بالإمكان أن تعالج لنا قضايا مستعصية، بل إن تحقيقها يدفع باتجاه تهدئة الخطابات السياسية التي تنطلق من واقع مؤلم لفئات غير قليلة من الناس.

هذه الأمور تحتاج إلى وقفة صادقة مع النفس بهدف تعزيز السلم الأهلي في البحرين والعيش تحت مظلة الوحدة الوطنية. بعض الأمور مازالت دون مستوى الطموح وكما يبدو من مؤشرات الساحة المحلية فإن السياسات الحالية قد تدفع باتجاه الافتقار لشريحة كبيرة من المجتمع (سنة وشيعة)، لا فرق بينهما، ومن يقول عكس هذا الكلام فإنما هو في واد آخر دون أن يرى مناطق البحرين المختلفة. إن المطالب المعيشية لجميع فئات الوطن – لو تحققت – فإنها تخفف من التوترالسياسي، وهو كلام قيل عنه الكثير وينتظر أن تلتفت إليه الدولة.
 
الوسط 24 فبراير 2009