المنشور

امنحوا الاعتدال فرصة


بعض من ينتقدون مبادرة المنبر التقدمي للحوار الوطني يقولون إن «التقدمي»، بالآليات التي يقترحها لتفعيل مبادرته يتجاوز السلطة التشريعية، وبشكل خاص مجلس النواب، وانه يتصرف كأنه لا يوجد مجلس منتخب من الشعب، عكس ما كان عليه الحال قبل مرحلة ميثاق العمل الوطني.
لم نقل يوما، ولا بصورة من الصور، ولا يوجد في سلوكنا ما يشي بأننا نعمل على تجاوز مجلس النواب، وفي ذروة المقاطعة لهذا المجلس منذ سنوات، كان لدينا نواب فيه، وكنا في قيادة «التقدمي» حريصين على التواصل مع هذا المجلس. بل إننا في ظرف من الظروف أدينا دور الجسر بين الجمعيات الأربع التي قاطعت مجلس 2002 وبين هذا المجلس، حين حملنا ما كانت الجمعيات السياسية قد توافقت عليه من رؤى حول مشروعي قانون الجمعيات والتجمعات إلى مجلسي النواب والشورى معاً.
كنا وما زلنا نعتقد أن أي تفاهم يجري بين الدولة والمجتمع يجب أن يأخذ صفته التشريعية من خلال المجلس الوطني بغرفتيه. هذا مع احتفاظنا بموقفنا حول ضرورة تطوير وتوسيع الصلاحيات التشريعية للمجلس المنتخب، لكن دون المساس بمكانة هذه المؤسسة ودورها، رغم انه لا يوجد لنا تمثيل فيها في الوقت الحاضر، فنحن في نهاية المطاف حريصون على التمسك بأي منجز يتحقق، ونعمل في سبيل تطويره. وليست مصادفة أن المنبر التقدمي توجه بمبادرته إلى مجلسي الشورى والنواب مثلما توجه بها للجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية، وبطبيعة الحال إلى الجهات المعنية في الدولة نفسها، ومن أولى الخطوات التي قمنا بها، ونحن نطرح المبادرة للمجتمع، لقاءنا يوم أمس مع رئيسي الغرفتين المنتخبة والمعينة في المجلس الوطني الأستاذين الفاضلين خليفة الظهراني وعلي الصالح.
قلنا إن مجلس النواب في تركيبته النهائية لا يمثل الخريطة الاجتماعية والسياسية في البلاد كاملة، ولا يجب أن يكون في هذا القول ما يغيظ، فليس فيه مجافاة للحقيقة، فهناك قوى لم يقدر لها التمثيل في هذا المجلس لأسباب مختلفة، ليس هنا محل مناقشتها أو عرضها، ونحن ضمن هذه القوى، لكن ذلك لا ينفي عنها صفة التأثير في الحراك السياسي في البلاد، وفي بعض الحالات بأكثر مما تفعله بعض الكتل النيابية اليوم. فإذا ما سايرنا المنطق الذي يقول إن الكلمة في هذا البلد هي لمجلس النواب وحده، فإننا سنصل إلى خلاصة خطرة مؤداها شطب العديد من الجمعيات السياسية المهمة ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والعديد من الشخصيات واللوبيات المؤثرة في المجتمع. ولا نحسب أن عاقلاً، أو أي شخص على درجة من الإلمام السياسي يُمكن أن يقبل بهذا القول، ففي ذلك اختزال للمشهد السياسي الثري والمتنوع في هذا البلد ببضع كتل نيابية، قد تختلف مذهبياً ولكنها تتماثل، من حيث الطبيعة الفكرية والأجندات الاجتماعية التي تطرحها لمستقبل البحرين. ثم أن هذه الكتل تملك قابلية التخندق في المواقع القصوى المتقابلة، فلا تعود قادرة على النظر إلى أبعد من هذا التخندق في ظروف الانقسام المذهبي المتفاقم في المجتمع.
مبادرة المنبر التقدمي تمثل اليوم صوت الاعتدال الذي نرى أن من مصلحة الوطن بكل مكوناته الإصغاء له، وللذين، يتوجسون خيفة من هذه المبادرة دون سبب وجيه مقنع، نقول:    



            امنحوا الاعتدال فرصة. 

 



الأيام 23 فبراير 2009