المنشور

المبادرة.. ضماناتها أين؟


لن تنجح مبادرة للحوار الوطني إلا إذا التقت فيها جميع الأطياف والأطراف على قناعة فكرية مشتركة، وتمكنت من إزاحة لوثة التشكيك بنزاهة هذا الطيف أو مصداقية ذاك الطرف من قاموسها السياسي والأيديولوجي (الرجراج) وتجاوزت أسلوب التأجيج الأيديولوجي (القاصر) الذي استثمره (العافور) الإسلاموي المتطرف، ودرست تفاصيل وحيثيات وجدوى المبادرة من مختلف النواحي وشكلت رؤية تتجاوز حدود (الحماس) الآني والعابر، رؤية تحمل ضماناتها للمدى البعيد دون أن يعكر صفوها طارئ لم يلتفت إلى الوقوف عنده باهتمام حين التقت الأطياف حول الطاولة. 
كل ما نحتاجه ينبغي أن ينطلق من موقع عقلاني مستنير بآراء المستنيرين أولا قبل آراء الذاهبين بعشق لا يضاهى إلى دياجير التخلف والظلامية والانقسامية والإرهاب المنظم والعشوائي الذين يعلنون تأييدهم للمبادرة ويصفقون لها وحين يأزف وقت الحوار يكونون أول المحاربين له والمستميتين من أجل وأده ووأد المبادرة، وما أكثر المبادرات التي وُئدت تحت ذرائع وحجج واهية وكان أول المحرجين فيها والمعزولين من حياضها هم أهل الوعي المستنير الذين لا يزالون يتمتعون بثقة عالية في هذه الأطياف اللاعقلانية.
قبل إطلاق المبادرة ينبغي لملمة أشلاء كل الأطياف و(الطوائف) وطرح المبادرة عليهم من منطلق وعي يقودنا إلى المستقبل، لا من منطلق وعي مطاليبي تقتضيه اللحظة، كما ينبغي (إسكات) الأصوات النشاز التي تردد بين فترة وأخرى تُهمًا و(تلبيخات) ضد طائفة من الطائفتين انطلاقًا من حرصها على المبادرة بينما غرضها الحقيقي (يتبروز) في الدسائس الطائفية التي غرقت فيها ويصعب عليها الخروج من ورطتها الكارثية.
وهنا يبدأ الدور الحقيقي لأهل المبادرة الذين أتاحوا مجالاً واضحًا لمثل هذه الأصوات في مواقعهم دون أن يتوقفوا عندها باهتمام وتأمل، فالمختلف مع المبادرة ليس بالضرورة (خائن) أو (عنصري) أو غير (وطني)، علينا أن نحترم الرؤى الأخرى دون تجريح وإن لم يتفقوا مع المبادرة، وإذا لم نتمكن فما فائدة المبادرة إذا كان الملتفون حولها أصدقاء اللحظة وخصوم الوقت كله؟ ما فائدة المبادرة إذا غضضنا الطرف عن إشكالات الملتفين حولها؟
الموقف بين الطائفتين متوتر سواء كان من هذه الجمعية أو من تلك، في هذا البرلمان أو ذاك البلدي، وعلينا ألا نتورط به، ينبغي أن نذهب لرؤيتنا العقلانية لما يجري دون ابتلاء بتناقضات وخلافات طائفية ربما ستسهم ـ أول ما تسهم ـ  في وأد هذه المبادرة حتى قبل أن تبدأ، وإذا كان هناك من سبيل لهذه المبادرة فهو الذهاب أولا لعلاج هذه (الطامة) كي نتيسر على أول الطريق للحوار بين الأطراف.
كيف تشمل المبادرة من لا يعلن موقفه وبصراحة من (الزعومات) الإيرانية وإساءتها للوطن؟ كيف تشمل المبادرة من يعلن موقفه الآن مع المبادرة ويغادرها بعد لحيظات بإذن من (المرجع) الديني الأعلى؟ كيف تشمل المبادرة من يعلن دفاعه وباستماتة عن كل من يعتقد أن (الحق) بيده هو وبطوعه هو حتى لو كان هذا الحق يحرق الأخضر واليابس من أجل مصالحه هو. 
المؤسف جدًّا أن أمثال هؤلاء لا يزال بعض كتابنا السياسيين (المحنكين) ممن يؤيدون المبادرة (ينفخون) فيهم عبر استخدامهم نفس المفردات والمصطلحات والإدانات التي توجه لمن يختلف مع المبادرة أو لديه شروطه الخاصة أو الموضوعية حتى يقبل الانضمام إلى فريق المبادرة الوطني، ومثل هؤلاء الكتاب هم بحاجة أيضًا إلى من يوجههم إلى هذه الطامة من قبل أهل المبادرة، إذ لا ينبغي أن يتحول موقع أهل المبادرة فسحة لمثل هذه الكتابات مقابل إطراء المبادرة أو مدحها.
المبادرة مهمة جدًّا، ولكن الأهم هو المسعى التقدمي أولاً وأخيرًا..
 
الوطن 21 فبراير 2009