المنشور

مبادرة وطنية واحـدة


أطلقت جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي الأحد الماضي مبادرتها رسمياً بشأن حلحلة الوضع السياسي والأمني.  الأمين العام للجمعية أعلن عن لقاء مرتقب مع رئيسي الشورى والنواب لتسليمهما نص المبادرة، ودعوتهما لدعمها، وهي خطوةٌ في الاتجاه الصحيح، فالكل مسئول عما يجري، وعليه أن يتحمل مسئوليته الوطنية بدل الفرجة ونفض اليد. كما أعلن عن جهدٍ سيبذل لإيصال المبادرة إلى بعض الجهات في الدولة، بعد أن شاع أن خطوط الاتصال مقطوعة منذ زمن غير قصير.
أما بخصوص الطرف الآخر من المجتمع، فقد أعلن عن مواصلة الاتصالات مع الجمعيات السياسية بمختلف أطيافها، «لإطلاعها على المبادرة وإشراكها في تفعليها». وهو جانبٌ فيه تقصير وضعفٌ للأسف الشديد، فحين عقدت ندوة «الوسط» بشأن المبادرة قبل أسبوعين، اتضح أنه لم تكن هناك أية اتصالات على الأرض، والحديث اليوم لايزال عن «إطلاع الجمعيات المعنية»، والأسوأ أن يغنّي كلٌ على ليلاه، ويتوهم أنه قادرٌ على العمل بمفرده، كأن الوضع يحتمل مزيداً من المماطلة والتسويف، أو يسمح لتسجيل بعض النقاط هنا وهناك.
المفترض أن يدرك الجميع أن المبادرة يجب أن تكون وطنيةً مشتركةً، ومعبّرةً عن أوسع دائرة من الطيف السياسي، خصوصاً أن هناك أخطاراً باتت تلوح في الأفق، لا تنذر فقط بتطويق العمل السياسي، بل وتمتد لحرية التعبير وملاحقة أية مواقع مجتمعية أو دينية أو شبابية، يصدر عنها أي نقد سياسي. وتقليص هامش الحريات العامة يغري بمزيدٍ من التقليص، والخشية أن تكون هناك قطاعات مدنية أخرى على قائمة الاستهداف، بما فيها مؤسسات العمل الخيري تحت ستار ما يسمى مكافحة الإرهاب.
عناصر المبادرة معقولة ومتوازنة إلى حد كبير، ومن المؤكد أنها ستلقى تأييد الغالبية من الناس، فهي تدعو القوى السياسية والاجتماعية إلى احترام النظام السياسي، ونبذ كل مظاهر العنف من حرق وتفجير، وتأكيد سلمية العمل السياسي. وفي المقابل تطالب الدولة بضمان فتح حوار مع قوى المجتمع، وإطلاق سراح الموقوفين، وإغلاق الملفات الأمنية الجديدة ووضع نهاية لوسائل التعذيب ضد المعتقلين التي عادت من النافذة بعد أن طُردت من الباب مع بدء فترة الإصلاح.
“المنبر” تحدّث عن آليات لتفعيل مبادرة الحوار الوطني، تفرض التزاماً متبادلاً بين القوى السياسية والدولة، انطلاقاً مما نصت عليه المادة (1) من الدستور، وترشيد الخطاب السياسي واحترام هيبة الدولة ورموزها، وسلمية العمل السياسي، والالتزام بالأطر القانونية، مع استمرار المطالبة بتطويرها، لتنص على مزيد من الحريات لترتقي للمعايير الدولية، وإيقاف حملات التشكيك في الولاء الوطني للبحرينيين.

وفي هذا المجال لم يعد الأمر مقتصراً على القوى المتمصلحة من حال القطيعة وتدمير جسور الثقة، بل برزت هناك أقلامٌ مسعورةٌ لم تتورع من طرح دعوات تنضح بالعنصرية وعدم القبول أصلاً بوجود «الآخر»، وهو مؤشر خطير تشهده البحرين ربما لأول مرة في تاريخها، في استنبات لئيم للفكر العنصري الشوفيني وثقافة الابارتهايد، في بلدٍ يفتخر بتاريخه القائم على التعددية المذهبية والتسامح الديني والانفتاح الفكري.
المبادرة ليست ترفاً فكرياً، وإنما حاجةٌ ماسةٌ لحلحلة أوضاع متشنجة، تخفي تحتها مشكلات لا يريد البعض الاعتراف بوجودها، وملفات لا يرغب البعض الاقتراب منها، بدءًا بالنواحي المعيشية للمواطن، وانتهاءً بتكريس مبدأ المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات.
 
الوسط 17 فبراير 2009