المنشور

لماذا ندعو للحوار؟


مبادرة المنبر التقدمي في الدعوة لإطلاق آلية حوار بين الدولة والمجتمع، وبلوغ توافقات حول المسائل الجوهرية موضوع الجدل، ليست، في طبيعتها وروحها، بأمر طارئ على «التقدمي»، المعروف بخطابه السياسي الرصين، وفي منعطفات سياسية أخرى مررنا بها خلال السنوات الأخيرة، كان «التقدمي» من دعاة مثل هذا الحوار. وليس هذا النهج، والحق يُقال، قصراً على المنبر التقدمي وحده، بل انه نهج قطاعات واسعة في المجتمع حريصة على أن تسود البلاد حالة الاستقرار والتوافق، وأن ننصرف، مجتمعين، للنهوض بأعباء ومهام التحول الديمقراطي الذي فيه خير ومصلحة هذا الوطن ومستقبل أبنائه وبناته، لأن التجربة المريرة لهذا الوطن خلال عقود برهنت أن لا طريق آخر، غير هذا الطريق، يمكن أن يأخذ بنا إلى بر الأمان. وتولد شعور جدي لدينا ولدى سوانا من القوى أن هناك خطابات متشنجة تسود الساحة، مُشبعة بروح التحريض والصدام، وكان لا بد من أن تقال كلمة عاقلة وسط هذا الجو، إن وجدت من يسمعها فسيكون لذلك مصلحة للجميع، وإن وُوجهت بآذان صماء، فحسبنا ساعتها أننا كنا متسقين مع أنفسنا ونهجنا في قول كلمة العقل في الوقت الذي يجب أن تقال فيه. ونحن في هذه الدعوة لا ننطلق من كوننا وسطاء بين فرقاء مختلفين، فنحن جزء رئيسي من المشهد السياسي في البلد، وقوة سياسية تملك برنامجاً ورؤية وموقفاً معروفاً ديدنه مصلحة الوطن والشعب، والحوار الذي نطالب به هو مكسب لنا كما هو مكسب لكل القوى الخيرة في هذا الوطن. لذا لم يكن في أذهاننا ولن يكون يوماً أن نقوم بدور وساطة، حتى يجري القول أن للوساطة شروطها، نحن أطلقنا دعوة موجهة للمجتمع والدولة انطلاقاً من قناعتنا الراسخة إن في الوطن قضايا جديرة بأن يجري الحوار حولها حواراً سياسياً، لأن الحلول الأمنية وحدها لا يمكن أن تُحل المشاكل. وفي ذلك فنحن ننطلق من التمسك بميثاق العمل الوطني روحاً ونصاً وبالثوابت الدستورية، ومما أكدنا عليه في مواقفنا السياسية حول ضرورة ترشيد الخطاب السياسي واحترام هيبة الدولة ورموزها، والعمل في إطار القانون، مع السعي لتطوير القوانين المعمول بها بوسائل النضال المشروعة. كما ننطلق من رفض كافة مظاهر العنف والعنف المضاد، ونبذ ممارسات الحرق أو التفجيرات والاعتداء على رجال الأمن، لكننا بالمقابل لا نقر الاستخدام المفرط للقوة، وأي مساس بكرامة الإنسان من تلك التي نفترض أنها قبرت مع إعلان القطيعة مع مرحلة قانون أمن الدولة وما تمثله من ذاكرة مفزعة في أذهان البحرينيين، الذين تنفسوا الصعداء بانطلاق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك. قلت في تصريح صحافي سابق أن بدا في الظاهر أن الأمور غير مهيئة لأن تنجح مبادرتنا، فان ذلك يجب ألا يُثنينا عن المضي فيها والمثابرة في الدعوة إليها، فكل المهام بحاجة إلى تهيئة ما هو ضروري لها من مستلزمات، وهذا ما سنعمل عليه.
 
صحيفة الايام
10 فبراير 2009