المنشور

إيران إلى أين؟ (3)

تشير المعطيات السابق عرضها إلى الموقف العام الذي تندرج في إطاره عشرات السنين، وهي المختصة بالصراعات السياسية الكبيرة وواقعها وآفاق تطورها، ولكن المعركة الانتخابية الإيرانية التي سوف تجرى بعد أشهر قليلة، تندرج في إطار الراهن.
وكما أن التاريخ مهم لكن اللحظة الراهنة تكتسب أهمية كبيرة كذلك، بسبب خطورة نهج الرئاسة الإيرانية الحالية على المنطقة وتوجهها لمغامرات قد تؤدي إلى كوارث على الحياة السلمية للشعوب.ولهذا فإن مجيء رئيس آخر ذي توجهات سلمية بدرجة أولى حتى في الإطار الديني السابق ذكره، هو أمرٌ مهم.
وإذا كان هذا الرئيس يحمل توجهات ليبرالية وديمقراطية أيضا فذلك يوسع من التطورات السلمية والديمقراطية التي تتنامى بصورة بطيئة ولكن مهمة سواء على صعيد تغير الحكم في أمريكا، أم تطور الوضع العراقي.
ويبدو أن نجاد غدا حتى لمناصريه السابقين قد أصبح ورقة محروقة أو مضرة للمحافظين.
(إن نهج الأصوليين في الانتخابات الرئاسية العاشرة، سيختلف عن نهجهم في الانتخابات السابقة، فخلال انتخابات عام 2005، وعلى الرغم من تعدد مرشحيهم في الانتخابات، فإنهم كانوا متفقين بشأن ضرورة عدم تكرار حكومة الإصلاحات. لكن على الرغم من أنهم سعوا حتى لا يصل الإصلاحيون إلى السلطة، فإن البعض منهم لا يعنيه تكرار حكومة أحمدي نجاد، حتى ان المناقشات الدائرة وسط التيار الأصولي تتمحور في كيفية تحقيق هذا الهدف، بل تنشأ أحيانا خلافات في هذا الصدد. يرى بعض الأصوليين ضرورة تقديم مرشح آخر غير أحمدي نجاد، وجماعة المؤتلفة، وأتباع خط الإمام، والمرشد وجمعية المهندسين الإسلامية، تتبنى هذه الاستراتيجية، لكن في المقابل يصر أنصار وداعمو الحكومة التاسعة على ترشيح أحمدي نجاد فقط، ويعتقدون أن أحمدي نجاد أكثر الشخصيات شهرة بين الأصوليين”.
(جواد دلبري، مقتطفات إيرانية، ديسمبر، 2008).
إن خوف المحافظين من تكرار نموذج حكومات الإصلاحيين، هو خوف مبرر منهم، فقد نشأوا على اقتصاد استغلال الموارد العامة لمصلحتهم، وكلما تنامت الحريات البرلمانية والصحفية والاجتماعية ضاقت الدوائر عليهم، وهذا من شأنه توسيع تطور الإصلاحيين باتجاه الرأسمالية الحرة، في سنوات لاحقة وحسب مواقف القوى الاجتماعية، أما تحالف الإصلاحيين مع القوى الشعبية واليسار لتشكيل نظام يقوم على ملكية عامة مُراقبة بشكل شعبي، وبحريات حقيقية، فهو أمر بعيد في هذه المرحلة.
إن إيران تحتاج إلى حكومات إصلاحية مستقرة ومتواصلة توسع الحفر الديمقراطي وتطور الأرياف المستنزفة وحياة العاملين، بدلا من الكلام في التنوير المجرد كما فعل خاتمي في رئاسته السابقة.
إن المحافظين يشعرون بالارتباك بسبب تخبط الرئيس الحالي وتفاقم الفساد واتساع التذمر الشعبي، ولهذا يبحثون عن وسائل أخرى لضبط سيطرتهم المترنحة:
“صرح حبيب الله عسكر أولادي سكرتير عام جبهة “أتباع خط الإمام والزعامة” ضمن التأكيد أن الأخبار التي نشرت بشأن تكوين مجلس حكماء الأصوليين لا تخرج عن حيز التنبؤات والتخمينات، قائلاً: الأصوليون الآن بصدد البحث عن استراتيجيات لتحقيق الوحدة فيما بينهم، وخلق آلية لها تتناسب مع العقل الجمعي الإيراني، وإلى الآن لم يؤسس شيء باسم مجلس حكماء الأصوليين، وما طرح ما هو إلا تنبؤات، لكن لا وجود لمثل هذا الشيء حتى الآن، ولم يتم إدراج موضوع الانتخابات بشكل جاد على قائمة جدول الأعمال حتى الآن أيضا”.
(فرنك آشتي، مقتطفات إيرانية، ديسمبر 2008).
هناك حيرة للمحافظين تعكس هذا التدهور في شعبيتهم، فقد نفد صبر الشعب من تدخلاتهم الواسعة في الاقتصاد لمصالحهم الخاصة، ومن تضييقهم على الحريات العامة، وتدخلهم في الحياة الشخصية للمواطنين، ولهذا يطالب الناس بحكومة حريات على صعيدي الاقتصاد والحياة الاجتماعية، ولهذا فإن مرشحاً مشهوراً كالرئيس خاتمي سيكون محل استقطاب هام، ولكن هل سيتجاوز تنويريته المجردة ويدخل في تحالف اجتماعي مع التجار واليسار لإحداث انعطافة في النظام باتجاه الحرية؟
هذا يعتمد بدرجة أساسية على مواقف المؤسسات العسكرية، لكن سقوط نجاد سيكون مدويا، وسيكون الرئيس المنتصر قد حرك الشارع بقوة، ولعله يستفيد من دروس الماضي، ومن صعود الرئيس أوباما، ويتحاوران ويتعاونان لتحول مهم في إيران والمنطقة.
إن تزمت المحافظين وصل إلى حد رهيب وهو يؤجج الشارع الإيراني ضدهم على نحو غير مسبوق فلابد أن يأتي تغيير باتجاه التنفيس على الأقل.
إن فئات الشباب الواسعة تعكس مثل هذا الصخب النقدي ضد نظام سياسي متحجر، فحتى الاحتفالات البسيطة تواجه بضراوة: “وهم، بما يمثلون وبما يفعلون يرسمون المدى الذي قد تبلغه قطاعات أخرى في الشبيبة الإيرانيّة. يكفي القول إنهم، في سبيل علاقة وأحياناً إحياء حفل ليليّ (بارتي)، معرّضون للسجن والجلْد ودفع الغرامات، لا بل التزويج القسريّ أيضا” (حازم صاغية، 12 – 6 – 2008).
سوف تحدث الانتخابات القادمة تغييرا إذا لم ييأس الشعب من نظام الانتخابات ويقاطع، وباتجاه تحجيم سيطرة رجال الدين التي هي الشكل الايديولوجي لسيطرة البيروقراطية العسكرية والسياسية.
وربما يكون هذا التغيير مهما لمنطقة تصاعد فيها التوتر إلى درجة خطيرة، ويضاف إلى رصيد التحولات باتجاه علاقات سلمية وتعاون أخوي.
 
صحيفة اخبار الخليج
21 فبراير 2009