المنشور

هل نحن ذاهبون إلى نفق مظلم؟


تساءلت في مقالي السابق وفي ظل حالة من الاحتقان الشديد التي وصلنا إليها قائلا ‘’إلى أين نحن ذاهبون؟’’ وهو سؤال أصبح يردده الكثير من المواطنين، نتيجة حالة التصعيد التي يشهدها الوطن على جميع الصعد، حالة تنذرنا بأننا ذاهبون إلى المجهول.

يبدو أن حالة من القلق الشديد تسود بين الناس، وأن حالة من التشاؤم تلبسنا جميعاً، كل ذلك يوحي لنا بأننا ذاهبون إلى نفق مظلم.
إن أكثر ما يُقلق هو تحويل الملفات السياسية إلى ملفات أمنية، نتيجتها حسب اعتقادنا هو الذهاب إلى المجهول على جميع الصعد وفي مقدمتها الصعيد السياسي والصعيد الأمني، فالتصعيد الأمني من بعض أطراف المعارضة ومن طرف السلطة سيؤدي بنا لا محالة إلى المزيد من التصعيد الأمني ولن يؤدي ذلك إلى هدوء؛ فإن تصورت السلطة أن المعالجات الأمنية هي التي ستؤدي إلى مزيد من الأمن، فإنها ستكون واهمة وأن العكس هو الصحيح، والتجارب التي مر بها الوطن على مدار عقود من الزمن هي خير دليل على ذلك، كما أن التصعيد الأمني سيؤدي كذلك لا محالة إلى مزيد من التأزيم السياسي، وهكذا سنكون في حلقة مقفلة يصعب الخروج منها. نرى أن السلطة ليست هي المسؤول الوحيد عن تحويل الملفات السياسية إلى ملفات أمنية، بل تشاركها بعض الأطراف والبعض من الشباب بوعي منها أو من دون وعي المسؤولية عن ذلك. قد لا يقبل البعض هذا القول ويريد أن يحمل السلطة المسؤولية بمفردها، ولكن بالتأكيد أن بعض الممارسات وبعض الخطابات تعمل هي كذلك في اتجاه تحويل الملفات السياسية إلى ملفات أمنية.

إن عجز قوى المعارضة طوال السنوات الثمان الماضية عن المسك بالملفات بشكل صحيح عبر خلق تضامن وطني جامع، تستطيع من خلاله استخدام جميع أدوات الضغط السلمية البعيدة عن أعمال العنف، هو في جانب منه يساهم في خلق أرضية خصبة لمن يريد للوطن أن يستمر في حالة من الاحتقان والتأزم. أين نحن من حوارات المعارضة مع بعضها البعض التي يمكن لها أن تنتج برنامجاً وطنياً موحداً، بدلاً من تصوير الحالة وكأن طائفة بعينها هي المظلومة من دون غيرها، وأنها وحدها من يتصدى للمطالبة بالحقوق؟

إن المعارضة إذا لم تعِ حقيقة نجاح السلطة في جر العمل الوطني إلى المستنقعات الطائفية، عبر إنتاج حالة توحي أن من يعارض سياسات السلطة هي طائفة بعينها، يساهم في ذلك قوى سياسية ارتضت لنفسها تكويناً طائفياً خلق حالة من التجاذب الطائفي، فإن بعض أطراف المعارضة تكون قد سهلت مهمة تحويل نضالات شعبنا إلى المستنقعات الطائفية التي لن تنتج نجاحات في خلق تضامن وطني شامل يضغط باتجاه تحقيق المطالب المحقة.

مع التثمين الشديد للمبادرة الوطنية التي أطلقها المنبر الديمقراطي التقدمي نحو إجراء حوار وطني في محاولة لنزع الفتيل درءاً للمخاطر التي تهددنا جميعاً وتجعلنا نسير نحو نفق مظلم لا نعلم إلى أين يقودنا، نأمل ألا تقتصر هذه المبادرة التي تستحق كل دعم وتأييد على الأزمة الحالية وتداعياتها التي نتجت عن اعتقالات تمت ونية السلطة عن إجراء محاكمات وفقاً لتهم أعلنت. نأمل أن تكون بنود هذه المبادرة واضحة وجريئة ومعلنة سواء تجاه السلطة أو تجاه بعضنا البعض، فلا يحق لطرف بعينه الخروج بانحراف كبير عن إرادة المجموع، فمع حاجتنا إلى مبادرة توقف وتحد من حالة الاحتقان الراهنة، إلا أننا بحاجة إلى مبادرة وطنية طويلة الأمد تمنع تكرار ما هو جارٍ الآن، مبادرة تبني لعلاقات وطنية جادة قادرة على تحقيق الحد الأدنى لتطلعات الناس المحقة.

عودة إلى حالة الاحتقان الراهنة، فمع اختلافنا مع بعض الخطابات للوجوه البارزة من بين المعتقلين، إلا أن الماضي البعيد والماضي القريب والواقع الحالي يجعلنا نتساءل: هل طوت وزارة الداخلية حقبة الماضي الأمني الأليم إلى الأبد وأجرت المصالحة اللازمة التي تبني الثقة والاطمئنان؟ هل انتهت أساليب التعذيب تماماً لدى أجهزة التحقيق؟ إن ما نشعر به مع اختلافنا مع الكثير، مع الممارسات التي تتم في الشارع ممن يقوم بالاحتجاج، فإن التعذيب ونزع الاعترافات قسراً يبدو أنه لايزال أسلوباً معتمداً، كما أن أسلوب التضخيم للأحداث التي تتم ‘’مع اختلافنا مع من يقوم بها ورفضنا لها’’، وكذلك المغالاة في التهم الموجهة وتصوير الوضع وكأن المتهمين قاب قوسين أو أدنى من قلب نظام الحكم واستلام السلطة، كل ذلك يؤدي إلى مزيد من الاحتقانات، كما أن أسلوب التطنيش الذي تتبعه السلطة تجاه مطالبات الناس التي هي في أغلبها مطالبات محقة ومشروعة، وإصرارها على السير في ملفات مرسومة ترمي من خلالها إلى تحقيق أهداف نعتقد أنها مضادة للمصلحة الوطنية، هو ما يؤدي إلى انعدام الثقة، في ظل رفض السلطة لإجراء حوارات صادقة.

عندما نقول ذلك عن السلطة، هذا لا يعني تحميلها المسؤولية منفردة، بل هناك الكثير مما تتحمله القوى السياسية من مسؤولية، فهي تعاني من حالة عجز عن إجراء حوارات جادة وصادقة فيما بينها في الوقت الذي تطالب فيه السلطة بإجراء حوارات معها! القوى السياسية تتعامل بردات فعل مع الأحداث أكثر مما تتعامل بفعل منظم عبر برنامج مرسوم يقود الناس بعقلانية، بدلاً من حالة الانفلات التي قد تؤدي بالبعض من الشباب إلى القيام بأعمال غير مجدية.

نأمل أن نعود إلى حالة التفاؤل التي عشناها أيام التصويت على الميثاق الوطني قبل ثماني سنوات مضت كنا نتمنى أن نعيش فيها الأيام الجميلة التي وعدنا بها.
المأمول من قوى المعارضة عبر مبادرة المنبر الديمقراطي التقدمي أن تدخل في مصارحة مع نفسها من دون مجاملة وبعقل مفتوح والخروج برؤية عقلانية موحدة تذهب بها للسلطة وتضعها أمام مسؤولياتها.
المأمول من جلالة الملك حمد وهو قادر بكل تأكيد أن يعيدنا إلى روح ميثاق العمل الوطني، عبر نزع فتيل الأزمة الحالية أولاً، ومن ثم إعادة النظر في الكثير من السياسات التي تنتج المزيد من الأزمات.
 
الوقت 17 فبراير 2009