المنشور

فرنسا بالعربي

حضرتُ مؤخراً محاضرةً للأكاديمي المغربي محمد الوافي الذي يعيش ويُعلم في فرنسا، تحدث فيها عن دور الإعلام الفرنسي الناطق باللغة العربية. خلص المحاضر إلى نتيجة مفادها أن هذا الإعلام يتسم بالضعف ويفتقد المنهجية. وأشار إلى أن الدبلوماسية الفرنسية باتت تُولي عناية للإعلام الموجه للخارج، ومن مظاهر هذا الاهتمام أن زوجة وزير الخارجية الفرنسي كوشنيار، هي من يُشرف، شخصياً، على هذا الملف. يمكن اعتبار ذلك نقطة تحول في الاهتمام الفرنسي، على أعلى مستوى، لأن يكون الإعلام أداة من أدوات التأثير الدبلوماسي، لأن الهدف، في نهاية المطاف، يتمثل في إبراز مواقف فرنسا وسياساتها تجاه العالم العربي. لعل الكثيرين لا يعرفون أن هناك فضائية فرنسية ناطقة باللغة العربية، وفي كلمات أخرى، موجهة للعالم العربي بدرجة أساسية، وكون غالبيتنا لا علم له بأمر هذه القناة، فذلك دليل أوجه قصور في تسويق فرنسا لإعلامها الموجه للعالم العربي. وأبديتُ للمحاضر ملاحظة عن التناقض الذي يظهر في طريقة اهتمام فرنسا في ترويج اللغة والثقافة الفرنسيتين في العالم العربي، وبين ما يناله الإعلام. ففرنسا، في حقلي اللغة والثقافة، لا تركز فقط على البلدان العربية المُصنفة ضمن الفضاء الفرانكفوني، كبلدان المغرب العربي، خاصة منها الجزائر والمغرب وتونس، وكذلك لبنان في المشرق، إنما باتت تولي اهتماماً بالبلدان العربية الأخرى المُصنفة تقليدياً في دائرة الاهتمام الانجلوسكسوني. ومن مظاهر ذلك ما نلمسهُ من اهتمام فرنسي، على الصعيد الثقافي، ببلدان الخليج، ففي عواصمنا ثمة مراكز لتدريس اللغة الفرنسية، كما أن بلدان الخليج تستضيف في مواسمها الثقافية فعاليات فرنسية في مجالات الموسيقى والتشكيل وحتى المحاضرات الثقافية والفكرية. ومنذ نحو عامين أُقيم في البحرين ملتقى ثقافي خليجي – فرنسي، شارك فيه بالإضافة لممثلي الجهات الرسمية المعنية بالشأن الثقافي، ممثلو مؤسسات المجتمع المدني والجهات الأهلية ذات الطبيعة الثقافية في بلدان مجلس التعاون الخليجي. إذا ما تذكرنا، على سبيل المقارنة، التأثير الكبير للنسخة العربية من هيئة الإذاعة البريطانية بوسعنا التساؤل: هل كان التأخر الفرنسي في توجيه إعلام ناطق بالعربية نابعاً من ثقة فرنسا المفرطة في نفوذها الثقافي التقليدي ضمن الحيز الفرانكفوني في عالمنا العربي، بدليل أن إذاعة مونتي كارلو الناطقة بالعربية موجهة أساساً نحو المشرق العربي، ولا يمكن التقاطها في بلدان المغرب؟ للأمر جانب آخر، أكثر أهمية فيما أرى، يتصل بالبعد السياسي، فلكي يكسب الإعلام الفرنسي الناطق بالعربية صُدقية أكبر لدى المتلقي العربي، مشاهداً كان أو مستمعاً أو حتى قارئاً، فان الأمر يتوقف بدرجة أساسية على مقدار ما ستظهره السياسة الخارجية الفرنسية في شقها المتصل بالعالم العربي من استقلالية عن الموقف الطاغي دولياً، ونعني به الموقف الأمريكي. يتطلع العرب إلى أن يروا أن لفرنسا، وهي الدولة التي لها ما لها من وزن وحضارة وتاريخ وثقافة، مواقف غير تلك التي اعتادوها من الولايات المتحدة، خاصة وأنه سيكون لمثل هذه الاستقلالية أثرها الكبير في تكوين موقف أوروبي عام في هذا الاتجاه، بالنظر لثقل فرنسا في الاتحاد الأوروبي. إن وُجد هذا الموقف، ستكون له بطبيعة الحال تجلياته الإعلامية التي لن تُخطئها ساعتئذ لا العين التي تشاهد وتقرأ، ولا الأذن التي تسمع في العالم العربي.
 
صحيفة الايام
11 فبراير 2009