المنشور

دلالات دعوة المفكرين العالميين المناصرين للعرب

لظروف صحية وعائلية طارئة، وانشغالات خاصة متعددة، لم أتمكن من حضور المحاضرتين القيمتين اللتين القاهما المفكر اليهودي الامريكي المناصر لقضية العرب المركزية، القضية الفلسطينية، الدكتور نورمان فنكلستين واللتين نظمتهما قبل نحو اسبوعين «جمعية مناصرة فلسطين« حول القضية الفلسطينية والعدوان الاسرائيلي على غزة، حيث كانت الأولى في فندق الدبلومات، والثانية في مركز عيسى الثقافي.
ولكن بفضل السبق الصحفي الذي حققته «أخبار الخليج« التي انفردت بنشر تغطية موسعة شاملة لوقائع كلتا المحاضرتين اللتين قام بهما الزميل الأخ مكي حسن، فقد تمكنت من الاطلاع على الأقل على أهم ما طرح في كلتا المحاضرتين من نقاط، أو ما اثاره من نقاط وقضايا تتعلق بجذور القضية الفلسطينية وتطورات المراحل التاريخية التي مرت بها، منذ اغتصاب فلسطين عام 1948م حتى العدوان الاسرائيلي الصهيوني الأخير على أهل قطاع غزة المدنيين بأحدث اسلحة الابادة الامريكية الفتاكة، وهو العدوان الذي استمر ثلاثة اسابيع متواصلة في ظل تخاذل السلطة الفلسطينية في رام الله، فضلا عن تخاذل الانظمة العربية، ناهيك عن تواطؤ المجتمع الدولي الرسمي مع هذا العدوان.
ولا يفوتني مقدما في هذه المناسبة أن احيي بحرارة شديدة جمعية مناصرة فلسطين على هذا الاختيار النوعي الموفق، أي باستضافة شخصية مفكرة يهودية امريكية عالمية من طراز الضيف نورمان فنكلستين، وذلك لما ينطوي عليه هذا الاختيار من دلالات فائقة الاهمية، لعل من أهمها مد وتوطيد جسور العلاقة مع هذه النخبة العالمية المتميزة من المفكرين العالميين المناصرين للقضايا الوطنية والقومية في العالم العربي، والتي (النخبة) لطالما أهملناها، أو تجهلها كثرة من نخبتنا السياسية والثقافية، ولا تكاد تعلم عنها شيئا، في حين تناضل تلك النخبة، ومن بينها على وجه الخصوص المنتمية الى الديانة اليهودية من طراز محدثنا الضيف نورمان فنكلستين، والمفكر العالمي الشهير الذائع الصيت نعوم تشومسكي، بصمت ضد اسرائيل والصهيونية العالمية مدفوعة بمنطلقاتها المبدئية والفكرية الانسانية والاخلاقية.
وتأتي اهمية هذا النضال من كونه يتم في أهم معقل من معاقل الفكر واللوبي الصهيونيين في الغرب، وتحديدا في الولايات المتحدة، الدولة الرأسمالية الامبريالية الأولى في العالم، والحليف والداعم الاساسي والأول بلا حدود وبشتى وسائل الدعم العسكري والسياسي والمالي والاقتصادي والاعلامي لعدو العرب في المنطقة، الدولة العبرية الصهيونية العنصرية «اسرائيل«، وحيث في هذه الدولة الكبرى «امريكا« يملك النظام السياسي الامريكي، واللوبي الصهيوني، امبراطورية اعلامية جبارة، من صحافة وقنوات فضائية وشبكة انترنت عنكبوتية وغيرها من وسائل الاعلام الاخرى لتزييف وعي شرائح واسعة من عقول الامريكيين وتشويه حقائق الصراع العربي – الاسرائيلي مستغلين في ذلك البعد الجغرافي الشاسع بين الولايات المتحدة والعالم العربي، فضلا عن الجهل المطبق لأغلب تلك الشرائح والفئات من الامريكيين لتاريخ وجذور القضية الفلسطينية، والظلم التاريخي الذي وقع على الشعب العربي الفلسطيني الذي اغتصبت العصابات الصهيونية وطنه فلسطين، وقتلت وشردت الجزء الاعظم من هذا الشعب والذي مازال يكابد فصولا متعاقبة من المحن والمآسي على أيدي حكام هذه الدولة الصهيونية العنصرية التوسعية بدعم كبير وشامل من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، لا لشيء سوى لإصرار الشعب الفلسطيني على النضال والمقاومة المشروعة لاستعادة حقوقه المسلوبة المغتصبة في وطنه ووطن أجداده واجداد أجداده «فلسطين العربية«.
بهذا المعنى يمكننا ان نفهم وان نقيم عاليا دعوة واستضافة نماذج من هذه النخبة العالمية المفكرة الصديقة والمناصرة للقضايا العربية المصيرية، وعلى الأخص القضية الفلسطينية، وهي النخبة التي تقوم بدور كبير استثنائي وبالغ الاهمية دوليا على جبهة الفكر والاعلام والثقافة ما يعجز عنه ليس جل نخبتنا السياسية الثقافية والمفكرة سواء في عالمنا العربي او في المهجر بالغرب فحسب، بل سائر السفارات الفلسطينية والعربية ومكاتب الجامعة العربية في الدول الغربية الكبرى.
ولا شك ان دور هذه النخبة يزداد عظمة ويتعمق مغزى ودلالات خاصة حينما ينحدر بعض من أبرز نماذجها من الديانة اليهودية، فليس أجمل وأبعد دلالة من فضح تهافت الفكر الصهيوني وتعرية وجهه العنصري ان يأتي ذلك على أيدي وألسنة نماذج وطنية وانسانية شريفة ومشرفة من المنتمين الى الديانة اليهودية نفسها.
وإذ نشكر مرة اخرى «أخبار الخليج« على هذا السبق الصحفي المهم المتميز بالانفراد بنشر تغطية موسعة شاملة للمحاضرتين القيمتين (أخبار الخليج عدد 28، 29 يناير 2009م)، وما بذله الزميل الأخ مكي حسن من جهد مشكور في اعداده للنشر ذلك ان السبق الصحفي لا يقتصر على الاخبار فقط، بل على مدى اهتمام وتقدير أي صحيفة للمحاضرات والفعاليات الفائقة الأهمية، وإذ نشكر ايضا ونثمن عاليا مرة أخرى جمعية مناصرة فلسطين على اختيارها الموفق باستضافة هذه الشخصية العالمية النصيرة لقضايانا، فاننا نأمل ان تكون بادرة هذه الجمعية قدوة لجميع مؤسسات مجتمعنا المدني والسياسي باستضافة مثل هذه النماذج العالمية.. ويا ليت يكون الضيف القادم المفكر العالمي الامريكي اليهودي نعوم تشومسكي.
كما استميح مقدما باسم شعبنا العربي البحريني وباسم كل نخبتنا وقوانا السياسية المناصرة لقضية شعبنا العربي الفلسطيني الحبيب الاعتذار لضيف البحرين المفكر فنكلستين على أي اساءة قد لمسها أو شعر بها خلال بعض النقاشات الساخنة في كلتا المحاضرتين وله كل الشكر وعظيم الامتنان.. والمعذرة له أيضا لعدم اغتنام هذه الفرصة لتكريمه على كل مواقفه المبدئية النضالية المشرفة.

صحيفة اخبار الخليج
10 فبراير 2009