المنشور

حول بيان قمة الكويت الاقتصادية!

بعد فترة انتظار وترقب اختتمت في الكويت مؤخرا القمة العربية الاقتصادية, والتي سبق موعد انعقادها الكثير من الآمال العربية الواسعة المعلقة عليها, كونها القمة الاقتصادية التي تم الإعداد المبكر لها منذ فترة ليست بالقصيرة, لتكون بمثابة الرافعة الحقيقية لتفعيل العمل العربي المشترك, حيث حُملت إليها آمال الشارع العربي, الداعية إلى وضع العربة العربية على السكة الصحيحة هذه المرة, بعد عقود من الفشل لمعظم القمم الدورية والاستثنائية والطارئة التي سبقتها, تلك القمم التي خصصت للتعاطي مع شؤوننا السياسية العربية طيلة عقود من الزمن لم تفلح فيها الأنظمة ومعها جماهير الأمة في الاقتراب ولو قليلاً من طموحاتها وآمالها أو أن تعيد لهم شيئاً من كرامتهم التي أهدرت وضيعت في طرقات ودهاليز المنظمات والمؤتمرات والقرارات الدولية المعنية بقضايا المنطقة, والتي كانت حصيلتها على الدوام المزيد من الهوان لشعوبنا ودولنا العربية التي يبدو أن عليها أن تتعايش مع عبث الساسة والسياسات. ومع مرور الوقت وزيادة حدة عجز الأنظمة, فقدت الشعوب العربية ثقتها في جدوى تلك القمم ووجدت نفسها غير عابئة بمواعيد انعقادها ونتائجها وتوصياتها, التي كانت على الدوام حبراً على ورق وبيانات لا ترقى لحال وتعقيدات قضاياهم المعاشة, حيث لم تستطع كل تلك البيانات المتشنجة أو الحماسية أو المنفعلة أو حتى المهادنة منها أن تغير من واقعنا المرير شيئاً, وباتت القمم ونتائجها عبئا ثقيلا لا يحتمل ومواعيد للتندر والخذلان. من هنا فإن الآمال التي عقدت هذه المرة على قمة الكويت الاقتصادية والتنموية والاجتماعية, بحسب طبيعة الملفات التي كان يفترض منها التصدي لها كبيراً, خاصة وأنها تأتي في ظل أوضاع مالية واقتصادية عالمية صعبة, حيث لا زال العالم يجهد في البحث لها عن حلول ومخارج, فيما تنتظر شعوبنا من قادتها وأنظمتها مع هكذا وضع جدية في التعاطي المسئول معها, خاصة وأن الكثير من تداعياتها المخيفة, وبحسب أكثر المراقبين تفاؤلاً أصبحت قريبة منا بل أننا بالفعل بدأنا نتلمسها, دون أن تكون لنا حيلة تجاهها حتى اللحظة على الرغم من التطمينات الرسمية التي يصعب علينا تصديقها.

ولكن, وبالرغم من تلك التحديات والمصاعب المنتظرة, وما ترافق معها من آمال عريضة, في أن تجمعنا هذه المرة المصالح ومشاريع التنمية الموعودة بعد أن مزقتنا السياسات ونتائجها الوخيمة, فان الوضع العربي المتردي لم يسمح لنا حتى بمجرد التقاط الأنفاس والتحسب لما ينتظرنا من مصير اقتصادي نعجز حتى اللحظة عن توقع حجم تداعياته على أمتنا, حيث فجرت أحداث غزة المأساوية وتداعياتها الكثير من ردَات الفعل والتباينات والتشنجات بين مختلف الزعامات العربية, ونجحت القمة التي يراد لها أن تكون انتصاراً مؤزراً, وهي ليست كذلك كما نعلم جميعا, نجحت في تعزيز الصف العربي, فبدلا من الإصرار على إنجاح القمة الاقتصادية التي كان بالإمكان أن تكون نتائجها عنوانا حافزاً للمرحلة بكل تداعياتها وتحدياتها, وجدنا أنفسنا في زحمة ثلاث قمم خلال فترة أسبوع حافل بكل ما يعزز انقساماتنا من بيانات وتصريحات, أفصحت عن حجم تردي أوضاعنا وفرقتنا, ولم تسعفها حتى تلك المصالحة البروتوكولية بين بعض المختلفين, كما غاب وبهت عنها حتى الطابع الاحتفالي الذي حفلت به القمم السابقة نتيجة استحكام حدة خلافاتنا, رغم ما بذلته دولة الكويت من إمكانات كبيرة لإنجاحها, عوضا عن مضامين ونتائج تلك القمم الثلاث التي لم نستطع أن نتبيَن منها شيئا يذكر.
وفي محاولة لتدارك الاضطراب والفشل في قمة الاقتصاد والتنمية, وذلك ما عبر عنه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى مع إعلان البيان الختامي, حين أعلنها صريحة «أن الوضع العربي لا يزال مضطرباً ومتوترا» فقد تم حشو الكثير من المشاريع التي تم الحديث عنها قبيل انعقاد القمة عنوة, في سياق إعلان الكويت دون أية معالم لكيفية تنفيذ أو متابعة تلك المشاريع المعلن عنها, حيث ذكر البيان الختامي الكثير من المشاريع التي يبدو أن ظاهرها تكاملياً وتعاونياً واستثماريا ولكن قدرتها على التحقق على ارض الواقع تظل مبهمة ومشكوك فيها بدرجة كبيرة, فهي مجرد عموميات كثيراً ما رددتها القمم السابقة, فها هي الدعوة لدعم مشاريع البنية التحتية بين الدول العربية تتكرر, وكذلك الحال مع تنمية قطاع الإنتاج والتجارة والخدمات والبيئة والمشروعات الاجتماعية, ومشاريع الربط الكهربائي, والربط البري والاتحاد الجمركي العربي, والحديث المطول عن استراتيجية الأمن الغذائي والمائي بين دولنا, والدعوة لإعداد الدراسات اللازمة لتكوين احتياطي غذائي عربي, ومشروع السكة الحديد بين الدول العربية, والمطالبة بتنفيذ البرنامج العربي للحد من الفقر, وأيضا الدعوة على عجل لتطوير التعليم في الوطن العربي, الذي تخترقه الأمية والجهل من أقصاه إلى أقصاه!, ومشاريع تحسين الرعاية الصحية, وقد ذُيل بيان القمة -الاقتصادية طبعاً- من خلال فقرة إنشائية مقتضبة للحديث عن الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها والدعوة لإسناد المؤسسات المالية العربية, وتعزيز الشفافية وأساليب الرقابة والإشراف عليها, دون أن يُشرح لنا كيف سيتم ذلك وما هي ألآليات المتبعة! كذلك, الحال مع دعوة البيان ذاته, لممارسة الدول العربية لدور أكثر فاعلية في العلاقات الاقتصادية الدولية, والمشاركة في الجهود الدولية لضمان الاستقرار المالي العالمي…!! كلام عام في بيان عام لم يستطع أن يجيب بكل أسف على تساؤلاتنا وطموحاتنا وآمالنا التي كم اعتادت شعوبنا العربية على تأجيلها باستمرار, والتي يتعين علينا أن نحملها معنا إلى أن يحين موعد قمة أخرى قادمة, إن كان هناك متسع من الوقت قبل أن يداهمنا طوفان الوضع الاقتصادي العالمي.
 
صحيفة الايام
8 فبراير 2009