المنشور

باراك أوباما والمؤشرات الإيجابية

يمكننا أن نفهم المؤشرات الايجابية نحو العالم والسياسات الداخلية للرئيس الجديد , من خلال التصريحات والسياسات التي وضعها لبلاده والتي تشكل خطوات أولى بينما تحتاج مؤشرات التحرك نحو العالم الخارجي وقتا من الزمن حتى وان جاءت كلمة وزيرة الخارجية وفريق عملها الذي تم اختياره بعناية ,مما يعكس رغبة الرئيس في علاج ملفات شائكة وطويلة من الصراع . ما قالته هيلاري كلينتون عن فريقها كان واضحا فحددت مهمات سياسة الولايات المتحدة الخارجية بأن تتميز «بالذكاء في توظيف تلك القوة « ولم تحدد كيف تلك القوة وتفاصيلها , ولكن حتما ستكون مختلفة عن السابق فالفريق الذي أمامنا هو نتاج مرحلة بيل كيلنتون ,الذي كان يبحث عن آفاق رؤية جديدة للعالم عندما بدأت نغمة العولمة .
من هنا ندرك حقيقة رغبة الرئيس الأمريكي الجديد في حسم ملفات صراع عالقة منذ وقت طويل تعطل حل قضايا اقتصادية وتنموية ,وهو يدرك أن الحل يعتمد دائما على الطرفين وبإرضاء الطرفين , ولكن إذا ما تشدد الطرف العربي والفلسطيني والإسرائيلي حول قضايا معينة فان الملف سيبقى معلقا لسنوات . وربما يرحل اوباما ولا احد يعرف هل سيأتي شخص أفضل أم أسوأ منه . ما قدمه الرئيس اوباما في بداية تقلده للحكم من شخصيات لديها خبرة في معالجة ملفات صعبة تؤكد رغبته الجادة في الانتهاء من أوضاع خارجية مهمة للالتفات إلى القضايا الدولية والداخلية المتعلقة بالأزمة الاقتصادية والتي تحتاج لمدة طويلة .
إن اختيار جورج ميتشل الذي كان له دور في معالجة القضية الايرلندية , بملفها الطويل يؤكد الحكمة السياسية لتلك الحكومة , وقد قال ميتشل في كلمته بان المشاكل والصراع وقيادته وصنعه هو من الإنسان , وان معالجتها مرهونة به , وهو القادر على حلها متى ما أراد ,وما خيار هولبروك للملف الباكستاني والأفغاني إلا دليل آخر في اتجاه تناول قضيتين شائكتين ربما أعمق واعقد من تناوله لمشكلة البوسنة ودوره في الأمم المتحدة .
وبالطبع لن يكون ملف باكستان وأفغانستان سهلا نتيجة العصبيات والصراعات والمفاهيم الجامدة والتشدد , فالذهنيات المتحاورة لديها رؤية مخالفة ومعادية للتوجه الغربي العالمي الذي يود تغيير العالم نحو الديمقراطية والحريات والتي كان كلينتون يرغب بها ولكن سقوط السياسات الأمريكية في أخطاء فادحة , مع صعود بوش وطريقة معالجته للتعامل مع العالم الإسلامي أثناء تنامي قوى التشدد الديني وببروز ظاهرة الإرهاب قبل أحداث سبتمبر . ومع تبدل طاقم السياسة الخارجية سيكون على غيتس المعني بالجانب العسكري أن ينفذ تعليمات السياسة الخارجية الجديدة في تغيير الخيارات التي طرحتها هيلاري كلينتون بتنفيذ القوة بذكاء مما يترجم هذا التعبير الشاري المرسل للرئيس بوش وعهده بأنه اتبع سياسة القوة بحماقة دون حسابات مهمة للسكان والمدنيين وفتح سجون قسرية ومارس التعذيب والسجن غير القانوني بحيث تتعارض مع القيم والأخلاق كما أشار إليها الرئيس نفسه بل وقرر في الحال اتخاذ قرارات حاسمة بإغلاق سجن غوانتانامو ومعالجة وضع السجناء بشكل قانوني , وإنهاء السجون الأمريكية في الخارج والتي كانت من نتاج مكافحة الإرهاب وأحداث سبتمبر .دون شك هذه السياسة لم تنبع نتائجها بين ليلة وضحاها وإنما عكف الفريق المنتقى خلال أسابيع منذ فوز اباما في انتخابات الرئاسة على تحديدها ,وانتظر الإعلان عنها رسميا بعد الانتهاء من القسم الدستوري ودخوله البيت الأبيض . لقد ترشحت تلك الأخبار عن تلك التعيينات في الصحافة الأمريكية , غير إن الرأي العام كان ينتظر الرئيس الجديد أن يقررها رسميا , فجاءت السياسة الجديدة المعلنة للعالم كمؤشر هام علينا نحن العرب أن نسعى إلى دراستها بكل جدية . من انتظر أن تولد سياسة أمريكية منحازة للعرب كانوا على خطأ بيّن , إذ لا يمكن أن تنتقل سياسات الدولة العظمى من موقف منحاز بالكامل إلى موقف عكسي , فهناك وضع إقليمي وعالمي متوازن يحسب له حسابه , عالم ما عاد بالإمكان التعامل معه بالقوة ونزعة الزعامة . إن قضية الشرق الأوسط برمتها ستكون في جلسات وحوارات المرحلة اللاحقة , فبعد الانتهاء من القضية الملحة في غزة وما يتبعها من تتاليات فلسطينية هامة ,فان صراع الشرق الأوسط الطويل ملفه اعقد وله ذيوله وجيوبه . وإذا ما نجحت السياسات الخارجية الأمريكية بتسوية الأمور بين الطرفين , فان الأبرز فيها هو حوار الإخوة وصراعهما , فهناك تراكم جديد ولد مع حرب غزة وخلق جرحا فلسطينيا عميقا , فإذا ما بدت أصوات أثناء الحرب وحممه تنادي بشعار الوحدة الوطنية , فان هذا الشعار يتباعد كثيرا أثناء الهدوء السلمي فتنبع التناقضات المؤجلة بين الفرقاء وتبرز نزاعات الانفصال والصراع على السلطة حول بلد لم ينه كل إجراءات استكمال استقلاله الوطني ولم يحقق كل ملامح ومكونات الدولة الفلسطينية الحديثة.

صحيفة الايام
8 فبراير 2009