المنشور

جيل 1968

في عام 1964 عندما كان الجنرال شارل ديجول رئيساً للجمهورية الفرنسية سأل مندوب مجلة فرنسية الكاتب والمفكر جان بول سارتر عن تفسيره لانصراف الشبيبة في فرنسا عن السياسة. قال الصحافي: إن فرنسا تفقد اهتمامها بالسياسة, وهذا اللاتسييس يتجلى في انصراف الشبيبة الفرنسية ليس عن الايديولوجيات فحسب, بل حتى عن الأفكار, فما يستحوذ على اهتمام الشبيبة هو التقنية بوصفها سبيلا للرفاه. بعد أربع سنوات فقط من طرح هذا السؤال شهدت فرنسا انبثاق الحركة الطلابية التي غيرت أشياء كثيرة في فرنسا وفي أوروبا, لا بل في العالم كله, سواء في السياسة أو في الفكر أو في الثقافة, أي أن الشبيبة التي وصفها مندوب المجلة الذي حاور سارتر بأنها تنصرف عن السياسة هي ذاتها التي ملأت الشوارع في باريس وبقية المدن الفرنسية رافعة الشعار الشهير: “كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل”. خصصت النسخة العربية من مجلة «فكر وفن» الألمانية عدداً خاصاً عن حركة الطلبة والشباب في عام 1968 التي مرت في العام الماضي الذكرى الأربعون عليها. ابتدأت تلك الحركة في فرنسا, واجتاحت, فيما بعد, البلدان الأوروبية الأخرى, ثم شملت آثارها البلدان النامية, بما فيها البلدان العربية, لذلك فإن الملف المذكور اهتم برصد انطباعات عدد من المثقفين والناشطين السياسيين العرب, من أولئك الذين ينتمون إلى ذلك الجيل, عن آثار تلك الانتفاضة على وعيهم ونشاطهم. علينا ملاحظة أن هذا العام, عربياً, كان العام الذي تلى هزيمة الخامس من حزيران/يونيو التي شكلت صدمة في الوعي العربي. ردة الفعل يومها لم تكن التسليم بالهزيمة, وإنما التمرد على العوامل التي قادت إليها, لذا فان أفكار الانتفاضة الطلابية الفرنسية صادفت هوىً في نفوس الجيل الجديد من الشبان, خاصةً منهم طلبة الجامعات. من مفاعيل ذلك انبثاق الحركة الطلابية المصرية في مطالع السبعينات التي قامت تحت عنوان رئيسي هو الدعوة للحرب, للثأر من الهزيمة ولتحرير الأراضي المحتلة. في سنواته الأخيرة بدا جمال عبد الناصر متفهماً لغضب الطلبة وتمردهم وللدوافع الوطنية وراء تحركهم, لذلك أصدر توجيهات بتوسيع الحريات الأكاديمية والنقابية في الجامعة. لكن عبد الناصر سرعان ما رحل, وجاء السادات الذي واجه صعود التيارات الديمقراطية بتمكين التيارات الإسلامية في الجامعة, والنتائج معروفة لا على المصير الدراماتيكي للسادات نفسه فحسب, وإنما على صعيد التحولات الفكرية والاجتماعية التي شهدها المجتمع, وامتدت آثارها عربياً. أكثر من مشارك عربي في الملف المذكور رأوا أن آثار 1968 لم تنته أو تزول, رغم كل التحولات التي جرت. رشيد الضعيف, من لبنان, مُوقنٌ بأن أثر هذه الأحداث باقٍ لأنها حفرت عميقاً, في الأخلاق وفي الثقافة, وهو أثر يتعايش مع التحول المستجد. أما المغربي محمد بنيس فيعبر عن اندهاشه من أولئك الذين يعبرون عن ندمهم لكونهم شاركوا يوماً في تلك الأحداث, سواء في المغرب والعالم العربي أو في فرنسا ذاتها, مع أن انتفاضة 68 كانت ثورةً على ما شَرع في الظهور من نموذجِ حياةٍ يقومُ على الفرجة والاستهلاك. بالنسبة له, فإن تلك الانتفاضة هي الروح التي كانت للشعوب في أزمنة عبر التاريخ, وهي تحضرُ اليوم في كتابات وأعمال فنية لا تستريح.
 
5 فبراير 2009
صحيفة الايام