المنشور

حميد مجيد موسى حول الانتخابات ونتائجها: فاز العراق.. فليشعر الجميع بانهم فائزون


هنأ سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق حميد مجيد موسى، الشعب العراقي على نجاح الانتخابات التي جرت أمس الأول، ووصفها بالفعالية الكبيرة من فعاليات ترسيخ الحياة الديمقراطية، رغم كل ما اعتراها من ثغرات ونواقص، مؤكدا أنها محطة مهمة على طريق استقرار البلد السياسي والأمني واستعادة استقلاله وسيادته. جاء ذلك خلال لقاء أجرته “طريق الشعب” مع موسى، بعد انتهاء عمليات الاقتراع وقبل إعلان النتائج، للحديث عن انتخابات مجالس المحافظات ومدى أهميتها وتأثيرها على لوحة تناسب القوى السياسية، وعلى العملية السياسية في البلاد عموما. وفي ما يلي نص اللقاء:


ما أهمية انتخابات مجالس المحافظات، التي جرت امس؟ وما هي انعكاساتها في العمل السياسي العراقي: عمل مجلس النواب، الحكومة، وفي التطورات اللاحقة وصولا الى الانتخابات العامة؟


هذه الانتخابات، باعتبارها استحقاقا دستوريا وقانونيا، سترسخ المسيرة الديمقراطية في العراق. وستؤكد إن صناديق الاقتراع وآراء المواطنين والأساليب السلمية هي الأجدى والأنفع لاستعادة البلاد عافيتها.
وهي، أيضا، حدث سياسي مهم جرى على خلفية صراع متنوع الأوجه على السلطة وعلى رسم ملامح مستقبل العراق. فهناك تنافس على الدور الأكبر في صنع القرار السياسي، وصراع على القيادة في إدارة الدولة.
وجاءت هذه الانتخابات لا لكي تحسم هذا الصراع بشكل نهائي، إنما لتضع مؤشرات أساسية على طريق تمايز القوى، وإعادة اصطفافها، وبالتالي تأشير أدوارها في المستقبل القريب، خصوصا وإنها مدخل لانتخابات مهمة قادمة ستجري نهاية العام الجاري، ونعني انتخابات مجلس النواب الجديد.
جرت الانتخابات في ظل ظروف أمنية أفضل قياسا الى ما كان في انتخابات سابقة. وقد شهدت مشاركة واسعة ممن لم تتسن لهم المشاركة من قبل. وهذا مرتبط بالنجاحات على الصعيد الأمني والعسكري وفي هبوط معدل العنف والأعمال التخريبية وتأثيرها الضار على مساهمة المواطنين ومجرى العملية الانتخابية، فضلا عن انها تمت في ظل ظرف سياسي عام انسب من السابق.

لكن، ورغم هذا التقدير بان العملية الانتخابية – بشقها الأول: الحملة الإعلامية، وشقها الثاني: التصويت – اتسمت بالطبيعية، الا ان هناك ثغرات ونواقص لا يمكن تفسيرها بمجرد حداثة التجربة. فقسم منها يعود الى سوء الإدارة والى خروقات ارتكبتها بعض الكيانات والشخصيات المرشحة. فمثلا الإرباك الذي حصل في سجل الناخبين وما عاناه المواطنون في العثور على مراكزهم وأسمائهم فيها، بسبب التغييرات التي طرأت على السجلات،  هذا الارباك حرم عددا غير قليل منهم من فرصة الإدلاء بأصواتهم.
كذلك لعبت محاولات البعض الضغط والتشويش على حرية واستقلالية رأي المواطنين، دورها بهذا الشكل او ذاك. فيما عكس تضييق بعض المسؤولين على دور المراقبين وممثلي الكيانات السياسية، بالرغم من محدوديته، موقفا سلبيا من جانب بعض من لم يحسن اختيارهم في ادارة مراكز الاقتراع، ازاء الديمقراطية، هذا فضلا عن مساعي البعض من ممثلي الادارة المحلية للتدخل والتأثير على ارداة بعض الناخبين.
وهناك النواقص ذات الطابع اللوجستي، مثل تأخر فتح المراكز وعدم توفر بعض المستلزمات او النقص في وسائل النقل مما  اثر سلبا، بشكل او باخر، على العملية الانتخابية وأحدث بعض الشروخ.

كل هذا لا يمنع القول بان الانتخابات جرت، على العموم، بشكل طبيعي.

اما تأثير هذه الانتخابات على لوحة تناسب القوى السياسية فامر لا شك فيه. حيث ستتغير مواقع لصالح بعض القوائم على حساب قوائم اخرى. وسنشهد تغيرا ملحوظا، ولكن غير جذري في تركيبة مجالس المحافظات. واذا كان هذا التغيير سيؤثر على بعض جوانب عمل وتوجهات مجالس المحافظات، كقضية العلاقة بين السلطة الاتحادية وصلاحيات المحافظات او حول فكرة تشكيل الأقاليم، فان هذا لن يعني بالضرورة ان مجالس المحافظات، بصيغتها الجديدة، ستتخلص من الكثير من الممارسات السلبية. بل يمكن ان يحتدم الصراع بين الاطراف الجديدة المكونة لهذا المجالس، ما قد يؤدي  الى شللها، ان لم نحسن ادارة ملف التنوع والتعدد واحترام الرأي والرأي الاخر عبر البحث عن المشتركات، لاستخلاص ما يوفر لهذه المجالس من ظروف وبيئة لتحقيق بعض المكاسب،  خصوصا تحسين الخدمات

توزانات القوى

وستنعكس نتائج انتخابات مجالس المحافظات على علاقات القوى  على الصعيد الوطني وتوازناتها. وهذا سيخلق مفارقات جديدة؛ اذ ستبقى السلطة المركزية على تركيبتها الحالية،  بينما ستأتي نتائج الانتخابات بمحصلة أخرى، لا يمكن تجاهلها، مثلما لا يمكن الاعتماد عليها في تغيير مسار عمل الهيئات الاتحادية التي بنيت على أسس أخرى. وهذا سيؤثر سلبا، ان لم تجر ادارته بطريقة مسؤولة ومرنة وواقعية،  على عموم انجازية مؤسسات الدولة، وضمنا سيتجسد في عمل مجلس النواب.

جرى تصوير الصراع، اثناء الحملة الانتخابية، على انه صراع بين قوى اسلامية واخرى علمانية، ما مدى تأثير هذا الترويج على العملية الانتخابية بشكل عام، وما الغاية منه؟


لم يكن الصراع في محتواه الأساسي صراعا بين القوى الدينية الإسلامية والعلمانية، فذلك تشويه وافتراء على الواقع، يمثل رغبة بعض الأطراف والقوى في التضبيب، والتأثير على المسار الحقيقي للصراع الدائر في المجتمع العراقي.
ان الصراع، في حقيقته، يدور بين القوى التي تنشد الدولة المدنية الديمقراطية، وبين قوى الإرهاب والتخريب والدكتاتورية واصحاب الأجندات الخارجية.
ونحن نعتقد ان الصراع الرئيسي يجري حول إعادة بناء الدولة لتكون دولة قانون ومؤسسات ديمقراطية، دولة مستقلة وذات سيادة كاملة. لذلك نرى ان الجبهة المؤيدة لهذا التوجه تشمل إسلاميين وعلمانيين، فهناك كثير من الإسلاميين يعملون على بناء دولة مدنية ديمقراطية مستقلة، وهناك بين العلمانيين من لا يحترم الديمقراطية ومنظومتها المطلوبة، بل يحن الى زمن الاستبداد والدكتاتورية والمركزية المفرطة ويساهم حتى في إعمال التخريب

تشويه مقصود

هذا التشويش والتشويه المقصود، الذي يتورط فيه البعض بشكل غير واع، ينبغي الحذر منه. فلا زال البلد يواجه مهمة ترسيخ الاوضاع السياسية والامن والتنمية الاقتصادية الكفوءة، التي توفر فرص العمل الواسعة، ومهمة تحسين مستوى المعيشة وتطوير الخدمات، في ظل ظروف سلمية بعيدة عن العنف والتعصب الطائفي وألاثني والمليشيات، في دولة يحكمها القانون وتؤطرها المؤسسات الديمقراطية وحرية الاختيار واحترام حقوق الإنسان.
واذا كان هذا هو التناقض الأساسي في العراق، فأنه لا ينفي وجود تناقضات فرعية بين الإسلاميين أنفسهم. وبين العلمانيين أنفسهم.  وبين العلمانيين الديمقراطيين وبين الإسلاميين المتشددين. وبين توجهات عقلانية علمية في إدارة الاقتصاد والخدمات الاجتماعية، وبين توجهات ليبرالية منفلتة.

خلال جميع مراحل العملية الانتخابية ضخ العديد من  استطلاعات الرأي. هل يمتلك العراق مؤسسات كفوءة بامكانها تقديم استطلاعات مجردة وحيادية؟


لقد حذرنا، منذ البداية، من الركون إلى مثل هذه الاستطلاعات. فالبلد لم يستقر بعد، ولم تتبلور فيه، بشكل واضح، اراء المواطنين. ولم تتوفر مؤسسات مقتدرة تعتمد منهجا علميا وحيادية مطلوبة لاجراء مثل هذه الاستطلاعات. بل ان الكثير منها يحمل في طياته الاحكام المسبقة، بعيدا عن التجرد. اختياراتها وعيناتها غير مناسبة. لهذا تأتي، في غالبيتها، بنتائج غير دقيقة؛ احيانا تبالغ، وأحيانا اخرى تستخف وتستصغر. وفي الحالتين يكون المردود سلبيا، خصوصا على الاطراف المتنافسة.
 فاذا بالغت فهي تدفع الى الغرور وما يأتي به من خدر وكسل. وان بخست وقللت فهي تأتي باليأس والاحباط وعدم الاكتراث. مازال امامنا شوط طويل حتى تبنى مؤسسات نزيهة علمية مجردة للقيام بأستطلاعات موضوعية للراي العام العراقي واتجاهاته.

وكيف تقيمون سير العملية الانتخابية، بمختلف مراحلها؟


المجتمع العراقي حديث العهد بالممارسة الانتخابية، وتجربته ليست طويلة في التقاليد الديمقراطية. لكن هذه الجولة اتسمت بأفضليات واضحة على التجارب السابقة، على اكثر من صعيد:  في توفر الظروف السياسية والأمنية وفي التعليمات والقوانين والإجراءات الإدارية. ومع ذلك لا يمكن القول انها تجاوزت كل النواقص والثغرات، فاذا كان هناك بد من تأشير خلاصات حول هذه الجولة فيمكن استخلاص مجموعة من الدروس تفيدنا في ترسيخ الممارسة الديمقراطية:

دروس


(1) علينا ان ننظم الدعاية الانتخابية. فقد صرف مال سياسي دون ضوابط، وهذا يؤثر على قناعة المواطن وحرية اختياره. فالكثير من الدول الديمقراطية تضع الضوابط وتنظم عملية الصرف ونفقات الحملة الانتخابية. وهنا يتوجب على قانوني الانتخابات والأحزاب ان يحددا ضوابط هذه المصاريف.
(2) تنظيم عملية تسجيل الناخبين وتيسير إمكانية وصول الناخب الى صندوق الاقتراع دون تعقيدات. وهذا يحتاج الى تقليص التغييرات غير المبررة في سجلات الناخبين. وضرورة التثقيف الواسع بأهمية مراجعتها قبل الاقتراع.
(3) الحاجة لان يكون عمل المفوضية دائميا وليس موسميا لكي لتكون معرفة المجتمع بالتعليمات والآليات عميقة وراسخة وواضحة. وعلينا ان ندخل هذه التعليمات والمفاهيم في نظامنا التعليمي الابتدائي والثانوي والجامعي، فضلا عن وسائل الأعلام، حتى تستقر الأمور لدى المواطنين.
(4) الحاجة ما زالت مستمرة لتأهيل وتدريب العناصر المسؤولة عن إدارة المحطات والمراكز، والتركيز على اختيار الأفضل والانزه والأكثر التزاما بتنفيذ القانون.
(5) إيجاد سبل واليات للتأثير على الضخ المشوش لبعض وسائل الأعلام والفضائيات.
(6) تعديل قانون الانتخابات بما يضمن  تجسيد حصة المراة  في مجالس المحافظات، وتعديل ما يتعلق بنظام توزيع المقاعد المتبقية.


هل يمكن القول ان خيارات الناخب باتت، اليوم، اكثر نضجا؟ وانه لم يعد يستند الى الولاءات التقليدية؟


في هذه الانتخابات ضعف صوت التعصب الطائفي والاثني الى حد كبير. وهذا تطور جيد ويؤسس لعمليات أفضل، في المستقبل،  باتجاه التضييق على المحاصصة عموما.
وهذا يؤشر توجه الكثير من المواطنين الى صناديق الاقتراع ليس بدافع الولاء الطائفي، وانما بدافع وطني ورغبة في اختيار الأفضل وتحسين الخدمات.
لكن هذا لا يعني بان كثيرا من المواطنين البسطاء، الذين يعانون من ألامية والجهل والتخلف والعوز والفقر، وهي أمراض مستشرية في مجتمعنا، قد تحرروا من الولاءات التقليدية ومن الخوف. وتمكنوا من ممارسة استقلاليتهم الفكرية والسياسية التي لا زالت ترتبط، الى حد كبير، بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، ما اضطرهم الى إعلان الولاء الى هذه الجهة او تلك للحفاظ على مصدر الرزق او لقمة العيش.

اعادة تربية

هذه عملية تحتاج الى جهد سياسي واجتماعي واسع كي يستطيع المواطن الاختيار بشكل حر.  والى تثقيف وإعادة تربية وضمان الحرية لمساعدة المواطن في التخلص من عقدة الخوف التي رسختها الأنظمة الاستبدادية والفوضى والتجاذبات والفتن الطائفية وسطوة المليشيات.
بدون ان نعيد العافية الى المجتمع، ويتحقق الاستقرار الامني والسياسي وتتوفر فرص العمل، يصعب القول ان المواطن تخلص من عقدة الولاءات التقليدية وتأثيرها.

كيف تنظرون الى اداء الحزب الشيوعي العراقي في هذه الانتخابات؟


سعى الحزب الشيوعي العراقي ، انطلاقا من فهمه لما تعنيه هذه الانتخابات، الى ان يكون مساهما فعالا فيها، لا بهدف التطاحن وتأجيج الصراع، ولا بهدف التسلق والحصول على مقاعد دون وجه شرعي وقانوني، على الرغم من اهميتها وضرورتها، انما لكي يمارس حقه في الوصول الى الجماهير وتعريفهم بمواقفه وبرنامجه، ليكون طريقا سليما للوصل الى مواقع المسؤولية.
لهذا عبأنا منظماتنا وشكلنا لجانا انتخابية مركزية، ووضعنا الخطط التفصيلية لتنظيم وتعبئة قدراتنا على المساهمة في العملية الانتخابية دون الاستخفاف بالعقبات والعراقيل والصعوبات التاريخية والآنية، الفكرية والسياسية. وكنا، اعتمادا على تجارب سابقة، نسعى الى تحسين موقعنا، وبالأساس للحصول على نسبة أصوات اكبر، ومد جسور وصلات أوسع مع جمهور شغيلة اليد والفكر.


تقييم اولي

تقييمنا الأولي ان منظماتنا الحزبية ورفاقنا بذلوا جهدا استثنائيا لتحقيق وجهة الحزب، وحشدوا إمكانياتهم وطاقاتهم. ونعتقد ان ما حققوه يمثل رأسمالا مهما، ليس  فقط للانتخابات الحالية، وإنما لمستقبل العملية الديمقراطية والانتخابات اللاحقة. فنحن ندرك إمكانياتنا المتواضعة ونعرف خلفياتها وأسبابها التي قسم من عواملها موضوعي خارج عن إرادتنا، وقسم اخر ذاتي يتعلق بخصوصياتنا وإمكانياتنا.  هذه العوامل تفرز وضعا ليس سهلا لنشاط الشيوعيين وحجم مساهمتهم في مجالس المحافظات وغيرها من المؤسسات. لكن هذا لا يدفعنا، اطلاقا، إلى اليأس. بل إننا مقتنعون ان الأمر المهم هو ان منظمات الحزب أصبحت أكثر قدرة تنظيمية وأكثر خبرة في العملية الديمقراطية، وأوسع صلة بالجماهير وأكثر معرفة بخصوصيات وتعقيدات الظرف السياسي ومشاكل المواطنين وادوار ونشاط القوى السياسية الأخرى.
محصلتنا، على الصعيد الحزبي الخاص، جيدة بصرف النظر عن النتائج التي ستتحقق في الوصول إلى هذا المجلس او ذاك. وسيكون لنا تقويم آخر بعد ان تتضح الأمور مع وصول تقارير منظماتنا الحزبية التفصيلية.



وكلمة اخيرة !

نهنئ الشعب العراقي على نجاح هذه الفعالية الكبيرة من فعاليات ترسيخ الحياة الديمقراطية، ورغم كل ما اعتراها من ثغرات ونواقص تبقى هذه الانتخابات محطة مهمة على طريق استقرار البلد السياسي والامني واستعادة استقلاله وسيادته. ونأمل من  جميع المتنافسين ان يتقبلوا، بمرونة ورحابة صدر، المحصلة التي ستتمخض عنها هذه الانتخابات، وان لا يكون ذلك سببا في المزيد من التوتر والجفاء بين اطراف العملية السياسية. لا بد ان يكون دافعا الى مزيد من الحوارات باتجاه ازالة ما تراكم او تولد من ضغائن او حساسيات اثناء الحملة الانتخابية.
فليشعر الجميع بانهم فائزون مادام الفائز الحقيقي هو العراق، ومادامت هذه الفعالية الهامة قد دفعتنا الى الامام على طريق تعزيز المؤسسات الديمقراطية.



طريق الشعب
2 فبراير 2009