المنشور

لماذا لا نخاف؟


ينتابنا الخوف كلما تذكرنا كيف قادت الصراعات الطائفية والمذهبية إلى أفدح أنواع التفكك الداخلي والمعاناة والتدمير والحروب الأهلية، وهناك بالطبع من يستغل هذه الصراعات لحسابات ومصالح لا تتحقق إلا في ظل تفاقم الاختلافات والصراعات.
لا نريد أن نشبه البحرين بتلك الدول ولكن لماذا لا نخاف وما يزال من بيننا من يريد لهذا الوطن الدخول في نفق الطائفية وفي عتمة العداء والكراهية بين أبناء هذا الوطن او هذه الجزيرة التي عرفت بـ «حليوه»؛ لان هذه الجزيرة التي تغتسل باشعة الشمس في سلام واسترخاء فوق مياه الخليج الدافئة لم تشهد قط تلك الصراعات والاختلافات، بل عرفت أناسا أشداء فيما بينهم اتحدوا وتحدّوا الصعاب والأهوال وهم في عرض البحر وعلى ظهر السفن تراقصوا على أهازيج الغوص دون أن يعرفوا للطائفية اتجاهاً وفي عتمة الليل المثقل بالإسرار تستوطن الأحلام قلوبهم البيضاء الناصعة، وعندما يحل الشتاء تجد هؤلاء الرجال والنساء والأطفال يعانقون النخيل تحت زخات المطر وهم يزرعون بذور الأمل في أرضها الخصبة التي أنشدت أجمل قصائد الحب والربيع والحرية.. نعم لماذا لا نخاف والخطابات الاصولية المتطرفة تستغل مناخ الحريات والمنابر الإسلامية لإغراض طائفية خطيرة.
وأمام هذا المشهد الطائفي الذي يود كسر مرايا الحب بين الطائفتين الكريمتين لا نعرف من أين نبدأ؟ هل نبدأ من ذلك الذي لا ندري ماذا يريد من إساءته لإحدى الطوائف البحرينية الكريمة والكل يعرف انه يريد للبحرين العيش في دهاليز الظلام والاستعباد وللأبدع الخطرة والإقصاء كما تفعل محاكم القرون الوسطى، او نبدأ من ذاك الطارئ المتهور الذي يشعر بالزهو كلما انقسمت هذه الجزيرة الى معسكرين متصارعين دون ان يخشى عواقب الفتنة المدمرة!!
وهنا، يمكننا القول أن الدعوتين في الأصل دعوة واحدة مآربها إشاعة العنف والكراهية والتعصب.
وعلى هذا الأساس ألا يحق لنا أن نتساءل: لماذا كل هذا الانجرار وراء الطائفية؟ لماذا الولاء لغير الوطن؟ لماذا لا يجرم مثيرو الطائفية وأعداء الوحدة الوطنية؟ ما هي واجباتنا نحو الوطن؟ لماذا حقوق المواطنة متعثرة؟ كيف نعالج الطائفية والعنف من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ لماذا كل هذا الصمت تجاه الخطابات التحريضية؟ أليست هذه الخطابات خطابات تنافر وتفرقة وتمزيق للنسيج الاجتماعي؟
من هو المستفيد الفعلي من هكذا خطابات؟
ولاشك فإذا كانت هذه الخطابات الفوضوية التحريضية المتزمتة تعكس حالة ما وصلت إليه من عداء تجاه الوطن وتجاه الآخر، فان تداعيات هذه الحالة خطيرة جداً، وبالتالي كيف نتجنب هذه التداعيات وهذه الحالة؟ سؤال لا يزال مطروحاً طالما هذا الوطن يرفض التعصب الطائفي والكراهية والعنف، وطالما أيضا نريد لهذه البلاد الاستقرار والعيش والتآخي في ربوع العدل والمساواة والتسامح والتعدد واحترام الآخر.
 
الأيام 24 يناير 2009