المنشور

لماذا‮ ‬غادرتني‮ ‬يا كبدي؟‮!‬


مهداة إلى الأمهات في غزة  يقتلني غيابك أيها الطفل.. لماذا غادرتني وتركتني لحلــكة الفقد وحدي أهذي؟  كلهم غياب دونك أيها الطفل.. وحدك تملأ روحي وتحيي قلبي وتفتح الأبواب والنوافذ لهواء ينعش رئة الكون.. بلد يغادره الأطفال يا كبدي.. بلد عقيم شائخ لا روح فيه ولا قلــب ولا هواء.. بلد تخلو بيوته من الأطفال.. بلد مهجور يسكنه الغياب والموت.. بلد تخلو أحياؤه من الأطفال.. بلد تلهو فيه الأشباح بظل غياب الروح.. يا كبدي.. لم أعد أطيق المشي في الشوارع.. فلا شيء يقلقني عليك فيها..  كنت دليلي وكنت ضالتي وكنت خلايا دبيبي في جسد الدرب.. بلد لا يأخذني نحو حضاناته ورياضه ومدارسه يا كبدي كل صباح وظهيرة.. بلد ماتت فيه الأنشودة والرفقة.. مات فيه كورال الصخب الجميل.. غادره السؤال العابث والشقي.. لم يعد فيه الانتظار جميلا.. لم يعد هناك انتظار..  ما جدوى أن أقصد الحديقة دونك والأزهار والفراشات غادرت الحياة حزنا وألما على فقدك؟ يا زهرة القلب وزهوته.. ابعث في غفر تيهي روحا في العرائس والدمى والألعاب كي أسلو بظل وجودك قربي..  ما جدوى أن أرتاد الأسواق وكل الدمى والألعاب والعرائس تحولت في حشود الجموع شاهدا على فجيعة الفقد؟  ما جدوى الأسواق وقد أوصدت أبوابها لأنك يا كبدي صرت الدمية التي يتقن صنعها كل مفجوع في هذا البلد؟  فسد الحلوى يا كبدي في خزانتي.. فقد غادرني العيد مذ غادرتني..  فقدت الحلوى يا كبدي.. مذ أتلفت خزانتي..  دعوت قدماي تتعثران في الساحة التي كانت معدة للفرح والبهجة.. قتلتني الخيبة حين رأيت الحزن يوزع دموعه على قبور الأكباد.. عدت إلى غفر تيهي فوجدته موصولا بساحة الفقد..  يا لهذي البلد.. ينعب فيها البوم كل يوم كي تستيقظ فجيعة الفقد..  يا كبدي.. قصدت الترع والبحيرات والبحار والأنهار علني أحظى بقطرة ألمح فيها ظل طفوك وغطسك.. فوجدت الجفاف يبكي فقدك ويشكو فقده القطرة..  ناجيت الغيم عله يفرج عن مطر تساقط منه يا كبدي جنيا.. فوجدت دخان الفجيعة يهب الغيم سمومه ويهبنا يأس المطر..  تبعت طيفك يا كبدي.. وجدتك شيخا ضل حلم طفولته فراح يجاهد من أجل أن تهبه دمى الطفولة مفاصلها التي وهبها إياها في طفولته..  يا كبدي.. ما جدوى أن أظل جالسة والحضن يتيم دونك؟  ما جدوى أن أظل واقفة أراقب خطو مجيئك والفقد قرر ألا تجيء ولا أنتــظر؟  يا كبدي.. في أحشائي طفل ينمو.. أناغيه فيضحك تارة ويبكي تارة أخرى.. هل قدر لي أن أكون حبلى بذاكرة فقدك؟     
 
الوطن 23 يناير 2009