المنشور

عدم فهم قوانين النضال

لماذا استطاعت النبوة ورموزها التحويلية وصلاح الدين الأيوبي تحقيق انتصارات وتحرير المنطقة؟
لماذا فشلت الحركات المذهبية والقومية والماركسية في صنع التحرير؟
ولماذا نجحت النبوة ورموزها وصلاح الدين الأيوبي؟
لقدرتها على فهم التناقض الرئيسي وتجنب الدخول في صراعات ثانوية.
كان الإسلام التأسيسي قد طرح الوحدة ورفض الدخول في صراعات مع ملأ قريش، وحين هـُزم ملأ قريش عبر سلاح التوحيد، تـُرك هذا الملأ في أعماله التجارية والاجتماعية واستفاد منها لتطوير عملية التحرير للبلاد العربية من الاحتلالات المختلفة.
ولماذا كان صلاح الدين أذكى من التنظيمات القومية واليسارية على بعده الكبير عن العصر الحديث وإمكانيته المعرفية والصناعية؟
لحدسه السياسي المرهف بموقع التناقض الرئيسي، الذي يجب أن توجه كل القدرات السكانية والحربية ضده، أي بتوجيه القوى العربية الإسلامية ضد العدو المحتل لفلسطين.
تجميعُ كل القوى وتوحيد الصفوف واستثمار كل الإمكانات القليلة المحدودة في الصفوف العربية المختلفة، وتشكيل حربة منها ضد الغزاة هو سر الإسلام وموجات التحرر الوطنية التي أحدثت نقلة وليس تمزقات وحروباً داخلية وأهلية استنزفت الأجساد والعقول والموارد.
وحتى بعد انتهاء عملية الاستقلال الشكلية المعاصرة فإن الاستعمار لم ينته، والصهيونية ظلت تعربد في الأرض والسماء، فمن الذي ساعدهما بشكل مباشر وغير مباشر؟
أليست هي السياسات العربية المزايدة والتقسيمية؟
لماذا استطاع أولئك البسطاء السلف من الاقتراب من جوهر العملية السياسية المركبة بأدوات وعيهم في زمن شديد التخلف؟
كان التوحيد في بؤرة نشاطهم وتجميع كل الطاقات الممكنة، ومصالح الأغلبية في برنامجهم غير المسيس بالطريقة العصرية، لكنها متوارية تحت الكلمات الدينية البسيطة، وفيما بعد حين تشكلت الطوائف بسبب صراعات اجتماعية وقومية لم تـُفهم ولم تـُؤخذ بعين الاعتبار لدى الأجيال التالية من العرب والمسلمين، فكان الارتكاز على الأغلبية الطوائفية القادرة على إيجاد أكبر توحد في الصفوف العربية الإسلامية المواجهة للحملات الصليبية والاستعمارية فيما بعد.
وفي زمن العلمانية والديمقراطية والعقلانية التي تجلت في قوى الأحزاب النهضوية المستندة كذلك إلى قوى الطوائف المؤيدة لعمليات التحرر حدثت الثورات الوطنية التوحيدية، وتحررت الدول العربية والإسلامية.
لم تكن سمات الحداثة تلك سوى محاولة لعدم بعث الصراعات المذهبية والدينية على حساب التوحد، فالعملية السياسية التحررية وكذلك التنموية تتطلب أكبر رقعة سكانية متآزرة، وهذا لا يمنع الاختلاف الاجتماعي، اختلاف المصالح بين المجموعات الاجتماعية المختلفة، ومراعاة مصالح الأغلبية، والتوفيق بين مطالب التنمية ومطالب الجمهور العريض بالعمل والسكن والتعليم، ولا يمنع أن تكون لها مذاهبها وأديانها الخاصة المقدرة.
لكن الصراعات الاجتماعية لا تكون على حساب مواجهة التناقض الرئيسي، ولا تكون تفجيراً للصفوف الداخلية، على حساب السكوت عن الغزو الخارجي.
لكن الجماعات السياسية التي نشأت بقوة مؤخراً غرقت في تفجير الصراعات الداخلية، ثم تفاجأ في كل لحظة انعطافية بأنها خارج التاريخ، وعاجزة عن رد أي غزو، لأنها كانت مشغولة بسياسات التفريق لا بسياسات التوحيد.
إن منزلقات الصراعات القومية والدينية نفسها التي شلت القوى العربية خلال قرون تستعاد.
من هنا ينبغي أن تبحث مؤتمرات القمة العربية والإسلامية هذه المسائل المحورية، وتتبنى أجندة المعاصرة السياسية الراهنة، لتوحيد العرب والمسلمين على ثوابت النضال العامة.

صحيفة اخبار الخليج
22 يناير 2009