المنشور

مقبرة اللجان..


ليس من الصعب على العين أن ترصد ما لعبته لجان التحقيق في المشهد العام اليوم.. فكلما أثيرت زوبعة حول قضية.. وحُشر المسؤولون في زاوية.. سارعوا لتشكيل لجنة تحقيق للتملص من الموقف؛ وإطلاق رصاصة تخدير على عضد الرأي العام الذي ثار!!

فلشعب البحرين ذاكرة الكهول وحماسة الشباب وصبر الأطفال؛ لذا فإنه ينسى سريعاً.. ويثور سريعاً.. ولا يملك جلداً ولا ثباتاً على مطالباته فُتطوى سريعاً.. و’مهندسو’ اللجان يعون هذا الأمر ملياً؛ ولسان حالهم اليوم: إن أردت أن تردي قضية في البحرين.. فحوّلها للجنة تحقيق!!

بالطبع ليس التخدير غرض اللجان الوحيد فبعضها ينُصب للنكاية؛ وبعضها الآخر للترهيب أو التسويف.. أمثلة منتقاةٌ نسردها هنا للبيان..

– ثار الناس بشأن واقعة تسرب الغاز في المعامير.. وحرّكت الصحافة والبيئيون قضية ردم خليج توبلي ونفوق الأسماك في سترة.. لافتين لخطورة ما يدور وما يكتنف تلك القضايا من تجاوزات.. فشُكلت لجنتا تحقيق برلمانيتان في كلا الواقعتين.. تجاوزتا فترة عملهما القانونية بكثير حتى هدأت حمى الأصوات وخبت.. فلما خرجت التقارير مرت مرور الكرام ولازالت في أدراج المعنيين حتى اليوم.. ولم تتخذ بشأنها قرارا ذا شأن بعد!!!

– أثير حول تبدّد أملاك الدولة لغط شديد، فشُكلت لجنة تحقيق برلمانية منحت الحق في التقصي من كفة؛ وُعرقل عملها بالكفة الأخرى على يد وزارتي المالية والعدل والتسجيل العقاري.. ورغم إخفاق اللجنة في اقتحام الطابق 11 بوزارة المالية للاطلاع على وثائق وأملاك الدولة إلا أنها خرجت بنتيجة مفادها ضياع وثائق 26 كيلومترا مربعا من أراضي الدولة ‘وهو ما يكفي لبناء مدن ومئات الوحدات السكنية’، كما وكشفت اللجنة عن ضبابية مصير 2500 وثيقة.. وكلُّ تلك معلومات خطيرة كفيلة بزلزلة الأرض من تحت الأقدام في أقطار أخرى، ولكننا لم نشهد عليها -لليوم- تحركاً يذكر!!

– تناولنا في ‘على الوتر’ قضية تحرش مسؤول رفيع المستوى بوزارة خدمية بإحدى موظفاته.. وسرعان ما طفت شكاوى أخريات تشجعن للشكوى على المدير ذاته بعد أن كسرت زميلتهن حاجز الصمت.. شكلت الوزارة المعنية حينها لجنة تحقيق لذر الرماد في أعيننا ومُنح المدير إجازة إجبارية مدتها 3 أشهر عاد بعدها وكأن شيئا لم يكن..!!
فلا نحن عرفنا إن كانت لجنة التحقيق قد برأته أم أدانته.. وعلى أي أساس برئ رغم وجود تسجيلات خطية وصوتية تُدينه.. أو كيف أدين ولم يُتخذ ضده أي إجراء صريح بعد!!

– في 31 مايو/أيار 2007 أثيرت ضجة بين النائب محمد المزعل ووزيرة الصحة آنذاك د.ندى حفاظ على خلفية تجاوزات موظف مخمور في مستشفى السلمانية الطبي.. وهدّد المزعل باستجواب الوزيرة إن لم تثبت الوزارة جديتها في التعاطي مع القضية.. استقالت الوزيرة وبقي الموظف ومازالت نتائج لجنة التحقيق بشأنه مجهولة!!

– في ابريل/ نيسان 2007 فقدت البحرين الشاب عباس الشاخوري الذي أصيب بطلق ناري أرداه قتيلاً أثناء عمله.. ثارت ضجة الرأي العام وشغلت التكهنات والتحليلات الناس طويلاً حول القاتل ومصدر السلاح ووعدت الداخلية بلجنة تحقيق ‘ستكشف عن الجاني في غضون أسبوعين’ ومرت زهاء السنتين دونما خبر ولا علم من اللجنة!!

– حصد السكلر أرواح 23 شاباً وشابة منذ مطلع ,2008 وكانت ملابسات القضايا – كلها- تشير إلى وجود تقصير طبي في إدارة الحالات.. ولامتصاص ثورة الأهالي شُكلت العام الماضي خمس لجان تحقيق.. لا زالت تنتظر الوحي لتخرج لنا بنتائجها!!

وقائمة الأمثلة تطول.. بالطبع بعض تلك اللجان تخرج بنتائج ولكنها تحجبها عن الرأي العام.. بعضها الآخر يخرج بتوصيات لا تنفذ؛ وبعضها الآخر يوفر على نفسه شقاء بسط التوصيات من أساسه!!

لذلك فإن لم تجدونا نهلل – كما كنا من قبل- عندما نسمع بنبأ تشكيل لجنة تحقيق فاعذرونا.. فلدينا تاريخ مظلم مع اللجان التي تحولت -وبكل جدارة- لمقبرة للقضايا والمطالبات..!!
 
الوقت 20 يناير 2009