المنشور

تسييس أحكام الأسرة

لا نعرف بالضبط ما الذي يدور خلف الكواليس تجاه قانون أحكام الأسرة الذي سبق للحكومة أن أحالته لمجلس النواب. ولكن ما رشح من أنباء يشير إلى أن هذا القانون يخضع مرة أخرى إلى مناورات، ذات طابع سياسي، أفضتْ حتى الآن إلى تأجيل النظر في هذا القانون من قبل المجلس، مما يعني ترحيله إلى أمدٍ غير معروف، وسط سيناريوهات مختلفة، لا تبعث جميعها على التفاؤل. ومن هذه السيناريوهات ما يُشاع عن توجهٍ لسحب مشروع القانون من قبل الحكومة، على أن تعيد تقديم القسم السني منه، ويترك القسم الجعفري موضوعاً للتداول والسجال، وأملنا ألا تقع الحكومة في هذا المطب المليء بالمحاذير غير الخافية على كل ذي بصيرة. جميعنا يعلم مقدار ما تتعرض له الوحدة الوطنية للمجتمع من مخاطر في ظل التجاذبات المذهبية المتزايدة، ولم يسبق – في العقود الأخيرة – أن جرى مثل هذا التعبير السافر عن الفروقات المذهبية، لا في اتجاه حصرها في نطاقها المشروع، وإنما – للأسف الشديد – في اتجاه تعميقها وتأصيلها، وتحويلها إلى ثقافة شائعة لا تثير اعتراضاً أو امتعاضاً من أحد. في حينهِ قُلنا إن على الحكومة أن تُظهر جديتها في أن يرى القانون النور، مستندة في ذلك إلى رغبة قوى واسعة في المجتمع تطالب بمثل هذا القانون منذ عقود، والى دعم قطاع مهم من النواب، فضلاً عن ضمان الدولة لموقف الغرفة المُعينة من المجلس الوطني، وهي كُلها عوامل تدفع في اتجاه اعتماد القانون. أما التذرع بتحقيق الإجماع، فهي حجة مردود عليها، فما أكثر التشريعات والقوانين والتدابير التي مررتها الدولة، وفي أحيان أخرى أصدرتها بإرادة منفردة، رغم وجود ممانعات داخل المجتمع ولدى القوى السياسية والاجتماعية المعنية تجاهها، فما الذي يجعل الدولة في ملف أحكام الأسرة، بالذات، تبدو معنيةً بتحقيق الإجماع حوله، وهو إجماع متعذر على ما هو واضح. ولأن الجدل يدور بصورةٍ أساسية حول الشق الجعفري من مشروع القانون، قبل أن تبرز تحفظات جزء من السلفيين السنة، فان الأمر يجب أن يخضع هو الآخر للنقاش، فإذا كنا نطالب بتعزيز السلطات التشريعية لمجلس النواب، لا بل والى تفويض السلطة التشريعية كاملة إليه، فكيف يصح بالمقابل أن نمنح جهة غير تشريعية سلطة الحسم في قانون هو في جوهره من اختصاص السلطة التشريعية ذاتها، حين نطالب بضمانات دستورية تُحيل مسألة الحل والربط في المشروع إلى جهة دينية غير منتخبة؟ في نهاية المطاف فإن البحرين دولة إسلامية، وتشكل الشريعة الإسلامية أحد مصادر التشريع كما ينص على ذلك دستور البلاد، وهناك قواعد راسخة في البلد تجعل من المستحيل إقرار أو تمرير قانون أو تدبير منافٍ لهذه الشريعة، وهذا ينطبق – أكثر ما ينطبق – على قانون أحكام الأسرة بشقيه، والذي وضع في الأصل من قبل رجال دين من المذهبين السني والجعفري على حدٍ سواء. مرة أخرى نقول: حرروا هذا القانون من التسييس!
 
صحيفة الايام
19 يناير 2009