المنشور

هدى عبدالله تُغني لغزة

بصوتها الشجي، العذب، الحالم، والمُقاوم أيضاً، وبأدائها المتقن تأخذنا الفنانة هدى عبدالله إلى أجواء غزة الصامدة. تماماً كما فعلت في عام 2006، يوم كانت الحمم تنهال على لبنان فتوقع مئات القتلى والاف الجرحى وتدمر البنية التحتية للبلد، حين صدح صوت هُدى عبدالله الجميل في وجه الغطرسة الصهيونية، وبكلمات الشاعر إبراهيم بوهندي: «لأن الحقد إذا يأتي لا يترك درباً للإنسان»، ومُحيية الصمود في وجه آلة الموت الجهنمية: «لكن الطفل إذا ما مات، فسيرفع في مارون الراس، ورْداً للدبكة في الأعراس». اليوم بكلمات الشاعر علي الشرقاوي وألحان وتوزيع الفنان خليفة زيمان تخاطب أطفال غزة، ونساءها اللواتي يمشين كالنسمات «في الريح وعلى درب الآلام». وإذ تدين الهمجية الصهيونية، تُحيي الشعب الفلسطيني الذي «رغم مذابحه، مازال يواصل في الأحلام»، مؤكدة على خيار مقاومة المعتدي الذي استباح كل المحرمات، واقترف أبشع الجرائم وسط صمت قوى العالم النافذة وتواطئها، التي تتجاهل الإرادة الحرة للقوى الحية في العالم التي تملأ الشوارع بمظاهراتها واحتجاجاتها. بكلمات الشرقاوي يملأ الفضاء صوت هدى باسم غزة الصامدة: «بالأحجار نُقاومهم، بالأشجار نُقاومهم، بالأنهار نُقاومهم، لو عشنا في الأرض جياعاً، تجمعنا الحسرة والأسلاك، أو صُرنا في البرد جلوداً، يحذفها اليأس لبرد هلاك، بأغانينا وأمانينا وأيادينا سنكون فداك». هدى عبدالله في هذا العمل تؤكد أن الفن أيضاً هو مُقاومة، وان الثقافة الديمقراطية في البحرين بفنانيها ومبدعيها حاضرة في القضايا الوطنية والقومية والإنسانية، في انسجام مشرف مع التقاليد الراسخة للثقافة والفن في بلدنا، التي صهرتها حرارة التجربة الكفاحية الممتدة عقوداً، والانتماء العميق للقيم الإنسانية ولقضايا النضال في سبيل الحق والعدالة والسلام. وإذا كانت البحرين بمكوناتها السياسية والاجتماعية المختلفة قد هبت للتعبير عن دعم أشقائنا الفلسطينيين في غزة، ولنصرتهم في المحنة الناجمة عن المجازر الصهيونية التي دخلت أسبوعها الرابع على التوالي، حيث اتخذ هذا ويتخذ أشكالاً مختلفة، فان التضامن البحريني على جبهة الثقافة والفن لا يقل أهمية ودلالة، ومن ذلك مبادرة أسرة الأدباء والكتاب بتدشين عريضة تطالب بسحب جائزة نوبل من رئيس الدولة العبرية شمعون بيريز. ومن ذلك هذه المساهمة المعبرة للفنانة هدى عبدالله، وهي مساهمة يجب العمل على أن تنال ما هي أهل له من انتشار داخل البحرين لتصل إلى أوسع القطاعات من الناس، لا بل ولتتخطى حدود البحرين، وتصل إلى الخارج، ففي ذلك تبيان للحيوية التي يتسم بها مجتمعنا المدني في التفاعل مع القضايا الإنسانية الكبرى. هدى عبدالله ابنة فرقة «أجراس» التي شكلت علامة مضيئة في ذاكرتنا الفنية والنضالية، والتي قدمت في سنوات الجمر إبداعاتها، مكافحة على جبهة الفن، في سبيل فتح كوى الأمل والعزيمة والانتصار على القمع واليأس، وهدى عبدالله الصوت الطالع من صفوف التيار الديمقراطي الذي صنع وجه البحرين وإبداعها وتألقها، تعبر اليوم عن وفاء هذا التيار لخياراته ونهجه في مبدأ التضامن مع الشعب الفلسطيني ومع كل الشعوب المناضلة من أجل الحرية والتقدم والاستقلال الوطني، وفي الانحياز لخيارات التضحية من أجل الحياة.
 
صحيفة الايام
18 يناير 2009