المنشور

دولة ديمقراطية أم بوليسية


عاشت البحرين لما يزيد على ربع قرن تحت وطأة قانون أمن الدولة سيء الصيت، وكان النضال البحريني منذ الاستعمار وما بعده متعلقاً بدولة العدالة والمساواة الاجتماعية حيث يتساوى المواطنون في حقوقهم و واجباتهم.
 
 وحين نقول الحقوق تبدو هذه العبارة فضفاضة لذا يتوجب أن نفصلها لنبين أننا نتحدث هنا عن تعليم متطور ومجاني منذ التحاق الطالب بالمرحلة الابتدائية ولغاية إنهائه للمرحلة الجامعية، ومنها إلى سوق العمل، إذ من المفترض أن يحصل الشباب  على عمل لائق يتناسب مع كم الاستثمارات العقارية، ومشاريع الخصخصة وعوائد ارتفاع النفط، إلا أن النظام الحاكم لا يوصف حين يجري الحديث عن معالجة أزمة البطالة طبيعة الوظائف المتوفرة في سوق العمل فهو يكتفي بأن يقول أن المشروع الوطني للتوظيف طرح 10.000 وظيفة مثلاً، لكنه لا يسهب في تفصيل طبيعة تلك الوظائف أي هل هي تقنية أم إدارية أم ذات طابع بدني، وهل تتناسب تلك الوظائف مع مؤهلات الجامعيين الذين يتكدسون في قوائم العاطلين من حيث أجورها وملائمتها لتخصصاتهم.
 
سيقولون أنكم متذمرون دائماً تقارنون البحرين بجيرانها في الوقت الذي لا تنتج البحرين عشر ما تنتجه الدول المجاورة، وهم في ذلك محقون لكن لماذا تحصن وزارات الدولة ودوائرها الفرعية بغالبية جاهلة لا تمتلك شيئاً سوى الدفاع الأعمى عن النظام الحاكم؟، هل يتماشى دور البيروقراطية التي تتفشى عادة في المجتمعات الشمولية مع طابع الدولة الديمقراطية العصرية التي نروج له؟.
 
أما في ما يتعلق بقضية الإسكان فيبدو الشباب مضرباً عن الزواج خصوصاً بعد أن فتحت الدولة أبوابها على مصراعيها للاستثمار الخليجي والأجنبي الذي – لا يقارن من حيث سيولته – مع نظيره في البحرين، مما أدى إلى تضاعف خيالي في أسعار العقارات ومواد البناء. إذا إلى أين يتجه المواطن العادي، أين سبيله؟ لا يوجد من سبيل سوى بنك الإسكان حيث تمنح الحكومة بيوتاً للمواطنين البحرينيين في المدن المستحدثة على سبيل القرض طويل الأجل، هذا جيد وإن كانت الأرباح تتجاوز قيمة البيت ثلاث مرات! لكن ماذا لو علمنا أن هناك بعض الأسر ممن تعود طلباتهم للعام 1992م ولم تحصل بعد على بيت الإسكان هذا!!!
 
سيدور في مخيلة كل من يقرأ هذا المقال سؤالٌ بديهي لماذا لا تتظاهرون؟، لماذا لا تعبرون عبر النقابات ومؤسسات المجتمع المدني عن حقوقكم؟، لماذا لا تعقدون الندوات في الأندية والمراكز الثقافية لإيضاح وجهات نظركم؟، لماذا لا يطرح ممثليكم في مجلس النواب تلك القضايا؟
 
هي أسئلة مشروعة لكنها فقط مبررة لمن أنجر لخديعة الدولة الديمقراطية، ولمن لا يعلم أن النظام السياسي مفصل على مقاس من أمر بنسجه حيث الدوائر مقسمه على أساس طائفي محكم   لا يسمح إلا بمرور من يمشي في ركب الدولة أو من يمشي في ركب “الفقيه” وفي الحالتين يكون الخاسر الأكبر المواطن البحريني. أما الصحافة فهي إما مجيرة لطائفة أو لعشيرة سياسية، و إما عاجزة كسيحة فهي ممنوعة من النشر حين يتعلق الأمر بقمة الفضائح السياسية التي لا تعرف الهواده وبأمر من القضاء “المستقل” بحجة الدفاع عن المصالح الوطنية. في حين تواجه  التظاهرات والتجمعات بقوانين التكبيل الصادرة من مجلس نوابكم الموقر كقانون المسيرات والتجمعات والصحافة والنشر، التي تضعنا جميعاً في دائرة تضيق تدريجيا إلى أن تخنقنا جميعاً، ويصنف من يحاول الملاص من تلك الدائرة في خانة الخروج عن الولاء للوطن!  ومفردة الوطن تعني في مجتمعاتنا الولاء للفرد.
 
تدور كل هذه الأحداث وما زال العمال والموظفون الحكوميون ممنوعين من تأسيس نقابات مهنية تصون حقوقهم، بل إنهم يجابهون بقرارات صفراء صادرة من ديوان الخدمة المدنية تحذرهم من المطالبة بالدفاع عن حقوقهم دون إذن من صاحب العمل!، والمجتمع المدني يجب أن لا يعمل في السياسة حسب تصريح سعادة وزيرة التنمية الفاضلة التي طالبت وزير العدل بإصدار تعريف للجمعيات السياسية لكي لا تقع الوزيرة في حيص بيص!
 
تبقى الأندية والمراكز الشبابية والثقافية منارة لتوعية الشعب بحقوقه وفقاً لبديهيات الديمقراطية لكن هذه الأندية والمراكز لا تسمح بأي نشاط معادي لسياسة طأطأة الرؤوس والحجة دائماً واحدة، حضر النشاط السياسي في الأندية والمراكز الثقافية والاجتماعية، إذا فالسياسة خطر دائم يلاحق الأجهزة الرسمية للدولة ويفزعها حينما لا تتناسب معها، فأي دولة هذه التي تروج لتعدديتها واحترامها للأقليات، وأتساع صدرها للتحاور مع العدو الصهيوني، في حين تتعامل في الداخل مع غالبية شعبها بذات الحس البوليسي الذي واجهناه بالدم والتضحيات لما يزيد على ربع قرن؟!.
 
عن نشرة التقدمي