المنشور

لا شيء، بعد، يُعول عليه

هل سيعتبر النظام الرسمي العربي انه أدى واجبه، تجاه الحرب الهمجية على غزة وأهلها، بالتصويت على قرار مجلس الأمن الأخير؟ هذه ستكون كارثة أخرى تضاف إلى كوارثنا العربية. فالقرار المذكور عارضته الولايات المتحدة ، وإن كانت لم تلجأ إلى استخدام حق النقض «الفيتو» ضد إصداره، فلمعرفتها أنه لن يعدو كونه حبراً على ورق. فرنسا التي نشطتْ دبلوماسيتها في المنطقة من أجل بلوغ تسوية من نوع ما للحرب الدائرة ضد غزة، أظهرت هي الأخرى عدم حماس ملحوظ حول القرار، تمثل في إلحاحها على تأجيل التصويت عليه. أما إسرائيل ذاتها فتستمر في عدوانها على المدنيين الفلسطينيين الذي يُشك أن يدخل يومه العشرين، ورغم التصويت على القرار، وأعلن رئيس وزرائها أولمرت رفضه له، مؤكداً أن الحرب على غزة سوف تستمر حتى تُحقق أهدافها. مجمل هذه المعطيات تعني أن القرار، من وجهة النظر العملية، وُلد ميتاً، وأن حظوظه في أن يجد تنفيذا له، في الوقت الراهن، تُعادل صفراً. حتى اللحظة لم يتحقق أي شيء يعول عليه في إيقاف المجازر البشعة المستمرة، والتي سوف تستمر، ليس فقط لأنها تستهدف اجتثاث حركة حماس من غزة، وهي المهمة التي تبدو عصية، وإنما لأنها تحقق أغراضا انتخابية للمتنافسين الصهاينة في الانتخابات الإسرائيلية القادمة، خاصة بالنسبة لحزبي «كاديما»، في شخص وزيرة الخارجية ايفني، و»العمل» في شخص وزير الدفاع باراك. لذا فان القفز العربي إلى نيويورك، حتى بعد صدور قرار مجلس الأمن، لم ينهِ الحرج الرسمي العربي، ولم يُعفِ الدول العربية من مسؤولياتها. عندما انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، عشنا وضعاً رسمياً عربياً مُشابهاً لهذا الذي نعيشه اليوم مع استمرار الهمجية الصهيونية في إبادة الفلسطينيين في غزة. يومها أيضاً جرت المطالبة بعقد قمة عربية طارئة تتخذ خلالها الدول العربية موقفاً لنصرة الشعب الفلسطيني. في ذلك الحين دوت صرخة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات وأول رئيس لها، وهو يقول: «إذا لم تنعقد القمة العربية الآن وسط هذا الذي يجري، فمتى ستنعقد إذاً» ؟! نستعيد عبارة الشيخ زايد ، ونحن نرى الجهود المبذولة لكي لا تنعقد القمة، وتكثر المبادرات والدعوات والاستغاثات الموجهة للمجتمع الدولي للضغط على دولة العدو لوقف العدوان، لكن موضوع القمة العربية، بالذات، يظل غير محبذ من غالبية الدول العربية. غير المتحمسين لعقد القمة، وغير الراغبين في عقدها أصلاً لا يخفون أن هذه القمة إذا انعقدت سوف تضاعف الحرج العربي الرسمي، فمداولاتها لن تسفر، في النهاية، عن أكثر من قرارات بالإدانة اللفظية للعدوان، ومطالبات للفلسطينيين بالوحدة. أما في حال وجدت هذه القمة نفسها محمولةً، تحت ضغط المأساة الإنسانية المتفاقمة في غزة وغضب الشارع العربي المتزايد يوماً عن يوم، على اتخاذ قرارات عملية، فان السؤال ساعتها سيطرح عن آلية تنفيذ ما يتخذ من قرارات. هنا مربط الفرس! نحن في حالٍ من العجز العربي الذي يزداد تفاقماً، تراكمت أسبابه، ولا سبيل للخروج منه إلا بكسر مسبباته الرئيسية، وخطوة بهذا الحسم تتطلب عزيمة غير متاحة، لأن دونها غياب الاستعداد على دفع أثمان مثل هذا الاستحقاق.
 
صحيفة الايام
13 يناير 2009