المنشور

ماذا بعد رفض القرار 1860؟

في ردود فعل سريعة على قرار مجلس الأمن رقم 1860 الصادر يوم الخميس 8 يناير/ كانون الثاني والداعي إلى وقف إطلاق النار الذي يؤدي إلى انسحاب إسرائيلي أعلنت كل من حماس وإسرائيل رفضهما القرار، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن إيهود أولمرت قوله إنه ‘ليس هناك من يستطيع التأثير على إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها، وأن الجيش سيواصل تنفيذ المهام التي كلف بها’. وهدف هذه المهمات كان قد أعلن على أنه وقف الصواريخ التي يطلقها مقاومو حماس. أما حماس التي سبق وأعلنت رفضها القرار أعلنت صباح السبت أن الصواريخ التي أطلقتها يوم الجمعة أصابت قاعدة القوات الجوية الإسرائيلية ‘تل نوف’ الواقعة على بعد 27 كلم عن تل أبيب. وتعتبر تلك أقصى نقطة أصابتها صواريخ حماس حتى ذلك اليوم. ورغم أن إسرائيل لم تنف أو تؤكد الخبر، إلا أن منطق الأمور يقول، كما يردد الإسرائيليون، أن أهداف الحرب على غزة لم تتحقق بعد. الولايات المتحدة امتنعت عن التصويت على القرار بعد إقناع بريطاني بعدم استخدام الفيتو. وبما أنها لا عب رئيسي فيما يجري فإن موقفها وتصرفها الفعلي حيال هذه الحرب يقول أيضا بأن الحرب لم تحقق أهدافها بعد. وكالة رويترز كشفت يوم الجمعة عن صفقة كانت قيادة النقل البحري العسكري للقوات الأميركية قد أبرمتها في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2008 مع شركة شحن لنقل 325 حاوية من قياس 20 قدما معياريا على ظهر سفينة تجارية، على أن تصل الشحنات على دفعتين الأولى في موعد أقصاه 25 يناير/ كانون الثاني 2009 والثانية قبل نهاية الشهر نفسه. وقد عرفت الشحنة في العقد على أنها ذخيرة حربية دون توصيف سوى أنها مواد قابلة للانفجار. وبالرغم من أن لدى القيادة الأميركية أسطولها الخاص للشحن إلا أنها أصبحت في الفترة الأخيرة تلجأ إلى إبرام عقود مع شركات الشحن التجارية لنقل المزيد من الشحنات إلى إسرائيل. وفي ديسمبر/كانون الأول أبرمت مع شركة ألمانية عقدا لنقل شحنات أكبر بلغت 989 حاوية من نفس القياس. لكن أية تفاصيل لم تتسرب عن محتويات الشحنة التي انطلقت من ميناء ساني بوينت في ولاية كارولينا الشمالية إلى ميناء أشدود الإسرائيلي. وقد علمت رويترز من بعض العارفين بأن هذه الشحنات مرتبطة بالعمليات العسكرية الخاصة التي بدأت إسرائيل تنفيذها في غزة منذ 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 [1].
والوضع كذلك فما هو الهدف الحقيقي من وراء شن الحرب على غزة ورفض القرار 1860؟ صحيفة ‘جيروزاليم بوست – The Jerusalem Post’ الإسرائيلية نشرت الجمعة مقالا لدانييل بايبس، مدير مركز منتدى الشرق الأوسط والباحث في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد ربما سلط فيه الأضواء على مرمى هذه الحرب. أكد أن أيا من الحلول الثلاثة المطروحة سابقا لم ينجح في حل مسألة التعامل مع أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. لا سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية بعد عدوان ,1967 ولا قيام الدولة الفلسطينية على أساس اتفاقات أوسلو عام 1993 ولا الدولة الموحدة التي أسماها القذافي ‘إسراستين’. ولذلك فقد رأى الحل البديل في العودة إلى ما كانت عليه الأمور في الفترة ما بين 1948 و,1967 أي ‘إعادة’ الضفة الغربية للسيطرة الأردنية وقطاع غزة للسيطرة المصرية. لكنه بما أن مصر لم تكن لا في السابق ولا الآن تنوي فرض سيطرتها على غزة فهل تبدو هذه الدعوة خيالا غير قابل للتحقيق؟ بابيس لا يرى الأمر كذلك. يورد مقال الصحيفة أن انهيار الإدارة الوطنية الفلسطينية بقيادة عرفات ثم محمود عباس، ومعها العملية السلمية عموما أدت إلى إعادة تقييم الأمور في كل من الأردن وإسرائيل. ويستند إلى الصحافية الين بروشر من صحيفة ‘كريستيان ساينس مونيتور – Christian Science Monitor’ التي وصلت العام 2007 إلى استنتاج بأن فكرة قيام كونفدرالية تضم الأردن والضفة الغربية أصبحت، كما يبدو، تجد التأييد من على ضفتي نهر الأردن. وأشارت إلى أن بعض المسؤولين الفلسطينيين أسرّوا باعتبارهم هذا الحل ‘واقعيا’. وتذكر استنادا إلى صحافيين معروفين بأن الأمر قد تعدى مجرد الأحاديث، وأن مباحثات غير رسمية بهذا الصدد قد تمت خلال عامي 2003-2004 بين السلطة الفلسطينية والأردن حول مسألة نشر قرابة ثلاثين ألف جندي من لواء بدر الأردني الذي يتكون من فلسطينيين في الضفة الغربية.
الرئيس مبارك سبق وأن ردد مرارا بأن غزة لم ولن تكون جزءا من مصر. لكن ما يكتب الآن يهدف إلى التشكيك في أن الرئيس مبارك سيظل هو صاحب الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع. ويعززون ذلك بالإشارة إلى أن غالبية المصريين تدعو إلى صلات وثيقة مع غزة، وأن حماس ميالة إلى هذا المشروع، أما إسرائيل فهي مهيأة لذلك تماما. وهكذا سنرى في الأيام القادمة كثيرا من الإيحاءات على أن الظروف أصبحت مساعدة لتغيير النهج المصري وللإجابة على التساؤل الوارد في ذيل مقال الصحيفة الإسرائيلية، بأنه:’ربما حان الوقت لاعتبار سكان غزة مصريين[2]؟’.
إذا كان هذا هو الهدف الحقيقي، وإذا كان قطاع غزة الذي تقارب مساحته نصف مساحة البحرين ذات الكثافة السكانية العالية، بينما عدد سكانه يزيد على سكان البحرين بحوالي الضعف تقريبا، وإذا كان 70% من الإسرائيليين يؤيدون استمرار العمليات العسكرية، فذلك يعني أن ضحايا هذه الحرب القذرة سيبلغون أضعاف الذين سقطوا من أطفال ونساء وشيوخ لحد الآن.
بقياسات المنطق فإن تحالفا هشا من القيادات الإسرائيلية التي تتنازعها المصالح الانتخابية الآنية لن يكون قادرا في الظرف الحالي على المضي بمهمة كهذه حتى نهايتها. وفي المقابل فإن الإسراع في إعادة بناء وحدة فلسطينية تحاكي ما يجري على أرض المعارك حقيقة، حيث الذين يقاتلون ويقتلون من عناصر المقاومة وبقية الشعب ليسوا من حماس وحدها، وأن ضغطا شعبيا في مختلف البلدان العربية لتوضح موقفها الرسمي من هذا المخطط سيعزز كثيرا من إمكانية إحباطه وبالتالي التسريع في فك طوق الموت من حول أهلنا في غزة. ناهيك عن أن احتمالات توسع النزاع في المنطقة يجعل كثيرا من الإسرائيليين يعيدون حساباتهم. وهذا ما حدث فعلا بعد القصف الصاروخي من جهة لبنان والذي خفض نسبة الإسرائيليين المؤيدين للحرب إلى أدنى من الـ 70% بكثير حسبما أشارت إليه بعض الصحف[3].
هناك إمكانات لدحر العدوان ومنع هذا المخطط أو غيره من أن يمر. لكن هناك حاجة لشحذ هذه الإمكانات وتعبئتها في هذا الاتجاه.
[1] لمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة هذه الوصلة:
http://www.lenta.ru/news/2009/01/10/ship/
[2] دانييل بيبس، صحيفة ‘جيروزاليم بوست’ الاسرائيلية، 9 يناير/ كانون الثاني .2009
[3] راجع: Frankfurter Rundschau 9 يناير/ كانون الثاني 9002. 
 
صحيفة الوقت
12 يناير 2009