المنشور

أين صواريخ “حزب الله” على إسرائيل؟!

توقعنا يا سيدي حسن نصر الله أن تكون صواريخك على إسرائيل سحابة هائلة تمطرُ الدولة العدوانية بالنار والدمار. هذه هي ساعتك، وهذه هي لحظتك التاريخية، وطالما كنتَ تقول إن الدولة العبرية جبانة ولا تتحمل ضربات هائلة تأتيها من الشمال اللبناني والجنوب الفلسطيني، وحمست الفلسطينيين ودعوتهم لجهاد لا يقبل المساومة والتراجع والخيانة. كنتَ تؤكد – وقد أحببناك لهذا – بأن القضية هي قضية مصيرية عربية إسلامية، ووقوف مشترك، لا يقبل التراجع لضرب الدولة العبرية العابرة إن شاء الله من الأرض العربية، وقد أبليتَ في هذا بلاءً حسناً عظيماً. ثم جاءت المناسبة الكبيرة ليتحقق هذا الحلم. غزة محاصرة تـُضربُ من كل الجهات، أمطارٌ من القنابل تنزل عليها وقد صارت هي مطر الشتاء القارس، طائرات تضربُ بدقةٍ متناهية بيوت المناضلين والمجاهدين، ولا شيء يمتنع عن القصف؛ مساجد وكنائس ومنازل، أماكن للمقاومة وأماكن للعيش، وطرق ومؤسسات، والعالم كله يتفرج! الدولة العبرية الفاشية استباحت الوجود العالمي ومنظمة الأمم المتفرقة، وجامعة الدول العربية للدروس الخصوصية، التي تواصل طلب معونة الشتاء الدولية. كنت يا سيدي سيد المرحلة ودعوت في كل حين بضرب إسرائيل، ورفضت أي تقييد، وصرخت بأعلى صوتك بأن يتجمع الرصاص والصواريخ وسوف يهرب الإسرائيليون. ولكن ذلك لم يحدث! وربما طلبتَ سراً من الاخوة الحكام السوريين أن يفتحوا جبهة الجولان الباردة خلال ثلاثين سنة، لم تـُطلق منها رصاصة واحدة. وربما استعجلت صواريخ نجاد ولكنه مشغول بزراعة الطماطم الثورية. تحملتَ كثيراً من غدر الدول ومؤامراتها وخبثها، ثم لم تجد سوى أن تطالب بفتح الممرات بين مصر وغزة. صرخت ولكنك ابتعدت عن نقد القوى التي هيجت وحمست وأرادت من كل الأطراف أن تجاهد وتتفجر قنابل ومتفجرات وضحايا إلا هي اختارت السلامة وبر الأمان وجمع الدولار والتومان. كان ضرب أخوتنا الفلسطينيين وذكرى سيد الشهداء الحسين عليه السلام تجري، فأي أمة هذه تحتفل بسيد الشهداء وتنسى الشهادة؟ وفي ذكرى إمام المسلمين المجاهد ضد التسلط كنا بحاجة لتجميع كل القوى حتى لا نكون فرقة ضعيفة صغيرة معزولة وراءها عدو وأمامها عدو ولا سبيل لها لماء الخلاص! كنا لابد خلال هذه السنوات كلها من تجميع الصفوف الوطنية وعدم الوقوع في شبكات الدول المحتالة، وشعارات الطوائف، حتى لا نقع في مثل موقفنا الراهن أسرى لشبكاتها واحتيالاتها، نطلق الصواريخ بحساب أجندتها. وثم ندفع أثماناً باهظة عجزاً عن إسلامية التوحيد من أجل طوائفية الدول وايديولوجيات التفريق وحسابات الدول الخاصة. ولكننا بالعكس نقدر موقفك يا سيدي في عدم اقتحام الموقف العسكري الخطر، فقد أبليت ولا تريد توريط بلدك في حرب غير مستعدة لها ولا هي قادرة على الدخول فيها وحيدة. ووجودك قوة سياسية معاضدة ومنتقدة ومناضلة داخل أجهزة بلدك ومن أجل شعبك أفضل من دخول معركة، يغدو لبنان الخاسر فيها، لأنك إذا حولت بلدك ساحة وطنية إسلامية مسيحية متعاضدة تقدم مثالاً جهادياً أكبر من إطلاق صواريخ. صارت الصواريخ باردة لأن دول الطوائف وحساباتها صارت سائدة. ومثلما تركوك وحيداً تركوا غزة وحيدة. لكن هذه هي الدروس التي نستخلصها من أنظمة بيروقراطية بوليسية تردد كلمات الجهاد والقضاء على إسرائيل حتى إذا جاءت لحظة الحساب بحثت عن مصالحها وتفاوضت من أجل استمرار الجبهات الباردة. وقد دفع لبنان أثماناً غالية في سبيل القضية القومية التي لم يدفع الآخرون أي ثمن لها باستثناء مصر. ويغدو الصراخ على الحكومة المصرية هو أحد أشكال النضال المحدودة في هذا الزمن الصعب، لكن مصر وحيدة لا تستطيع أن تفعل شيئاً كبيراً. لتبقى صواريخ حزب الله باردة وتنتظر فرصة أخرى حين تقدر الحكومات العربية والإسلامية على التقارب، بدلاً من التكالب لمصالحها. ولتتجمع الشعوب العربية والإسلامية وتدفع ضرائب من الدم، وتنسى طوائفها ومصالحها الضيقة، وتنسى اسطوانة سنة وشيعة. فليس لبنان دائماً هو الضحية ودافع الضرائب القومية. لكن يبقى يا سيدي حسن نصرالله أن تقول الحقيقة اليوم أو غداً، حتى تتعلم الأجيال ماذا يجري ولا تنخدع، وتتوحد، وتدع التفرق الديني والطائفي، لتجابه دراكوالات الحكومات المهيمنة على كل شيء. ولا يكون تحرير الأراضي العربية المحتلة بغير ذلك. ألم يترك حزب الله وحيداً؟ ألم تترك غزة وحيدة؟ هذه هي نتائج السياسات الطائفية والأحزاب الطائفية. التوحد وليس مغامرات الجماعات الصغيرة هو السبيل، إن التوحيد لكل الطوائف والقوميات والأديان في هذه المنطقة للقضاء على الاحتلال والاستغلال.
 
صحيفة اخبار الخليج
12 يناير 2009