المنشور

مجازر‮ ‬غزة والمراجعة المطلوبة


المهمة العاجلة اليوم هي إيقاف نزيف الدم الفلسطيني والضغط لإيقاف المجازر الصهيونية التي تتواصل ضد الشعب الفلسطيني في غزة الصامدة، وهي المهمة التي ما زال الموقف العربي الرسمي أبعد ما يكون عن التصدي الجدي لها.  مع ذلك فلعل العدوان الصهيوني بحجمه المرعب يكون حافزاً للتنظيمات الفلسطينية في أن تُراجع بمسؤولية موقفها من مسألة الوحدة الوطنية الفلسطينية. ما من ثورة في العالم انتصرت في غياب وحدة مكوناتها. يمكننا أن نعود إلى التجربة الفيتنامية، ويمكننا أن نعود قبل ذلك إلى تجربة الثورة الجزائرية، يوم كانت جبهة التحرير الوطني إطاراً جبهوياً واسعاً استوعب فئات الشعب الجزائري المناضلة ضد الاستعمار، وأمكنها، في نتيجة ذلك، أن تلحق الهزيمة بالمستعمر وتحمله على الجلاء عن الجزائر. لن يستطيع الفلسطينيون تخطي المأزق الذي بلغته قضيتهم العادلة، التي هي قضيتنا جميعاً، إلا بالخروج من حال الانقسام المرير الذي هم فيه اليوم، والذي فاقمته الهمجية الصهيونية بعدوانها على غزة، والمرشح للتواصل في غياب إرادة دولية وعربية جادة لوضع حدٍ له. الوحدة الفلسطينية ليست مجرد استجابة أخلاقية لدعوةٍ نبيلة، إنها في الجوهر شرط سياسي لتحقيق النصر على عدو غاشم مدجج بترسانة أسلحة جعلت منه خامس أقوى جيشٍ في العالم، ومؤمن بدعمٍ دولي مريب. لإسرائيل طبيعة عدوانية خبرها الفلسطينيون والعرب على مدار ستين عاماً وأكثر، والتحضير لمعاقبة غزة عقاباً جماعياً، على النحو الدائر الآن، جاهز في أدراج قادة الأمن والعسكر الصهاينة. كل ما في الأمر كان اقتناص التوقيت المناسب، فاقتنصوه. لكن مواجهة العدوان والتصدي له ميدانياً وسياسياً ودبلوماسياً كان سيكون مختلفاً لو أن الموقف الوطني الفلسطيني كان في حالٍ غير الحال التي هو عليها الآن من تشرذم وتمزق، لا بل واحتراب معيب.
حرارة الدم الفلسطيني المسفوك تحمل حملاً على مطالبة القيادات الفلسطينية بمراجعةٍ جديةٍ لمجمل أدائها خلال الفترة الماضية. المسؤولية الأخلاقية والسياسية والتاريخية الواقعة على عاتق القادة الفلسطينيين في فتح وحماس وبقية الفصائل تلزمهم بأن يقوموا بمراجعة نقدية جدية وحقيقية، تفترض الاستعداد لممارسة النقد الذاتي وتقبل النقد من الآخر، والقدرة على الاعتراف بالخطأ، فيُقيّموا مجمل المسار الفلسطيني في المرحلة الماضية، ويؤسّسوا لرؤية مستقبلية جديدة، بعدما كشفت التجربة الخطأ الجسيم لرهانات السلطة الفلسطينية ورهانات حماس على حدٍ سواء. لسنا من ينصح الفلسطينيين بما عليهم أن يفعلوه، فمن يده في الماء ليس كمن يده في النار، ولكنّ هناك أسئلة يتعين طرحها. أيريد هؤلاء القادة التفاوض مع العدو؟ حسناً، لكن أين هي شروط التفاوض ومقوماته. الفيتناميون فاوضوا الأمريكان طويلاً على طاولة في باريس، لكن الكفاح في أدغال فيتنام لم يتوقف وقت التفاوض، لأنه هو الآخر كان أداة تفاوض حاسمة. أيريد القادة الفلسطينيون استمرار الكفاح المسلح والتحضير لانتفاضة أخرى؟ حسناً، لكن أين هي شروط الكفاح المسلح والتحضير للانتفاضة، وفي مقدمة هذه الشروط استعادة الوحدة الفلسطينية. كل خيار له شروطه ومستلزماته وتبعاته، ومنظومة تدابير متصلة به، بينها تدابير الإدارة الدبلوماسية له، بطريقة مخاطبة العالم العربي والمجتمع الدولي، لكي نضمن لهذا الخيار فرص نجاحه.
 
الأيام 5 يناير 2009