المنشور

انطباعات حول مؤتمر‮ ” ‬برلمانيون ضد الفساد ‮”..‬


في الكويت، انعقد المؤتمر العالمي الثالث للبرلمانيين ضد الفساد في الفترة بين 17- 19 نوفمبر الماضي وبمشاركة غير مسبوقة لوفود من برلمانات عربية وآسيوية وعالمية، فاق عدد المشاركين فيه أكثر من 280 مشاركا، توافدوا جميعهم للمشاركة في ما يشبه التظاهرة العالمية لمواجهة الفساد، حيث تزامن انعقاد هذا المؤتمر العالمي الهام مع انفجار أزمة برلمانية حادة لدى الدولة المضيفة لا زالت تتداعى فصولها في الشارع الكويتي، وذلك على خلفية الاستجواب الذي قدمته إحدى الكتل البرلمانية لرئيس الوزراء هناك وسط مخاوف من إقدام أمير البلاد على حل وشيك للبرلمان هناك.
فعلى مدى أيام المؤتمر الثلاثة، ناقشت الوفود والشخصيات البرلمانية العديد من أوراق العمل التي تمحورت حول قضايا أساسية لانعكاسات قضايا الفساد على مختلف الأوضاع التنموية والاجتماعية في مختلف الدول، وعلاقة كل ذلك بدور البرلمانات والبرلمانيين والشخصيات ذات العلاقة بمكافحة الفساد في مؤسسات المجتمع المدني، حيث تمت الدعوة إلى ضرورة العمل بشكل مشترك وجاد لقيادة لوبيات برلمانية ووطنية مؤثرة تحد من تلك الممارسات المقلقة، والتي ارتبطت على الدوام بمعدلات الفقر وغياب عوامل الإفصاح والشفافية حول الموارد العامة، ونهب ثروات الدول وزيادة المصاعب الاجتماعية. كذلك فإن انعقاد المؤتمر في أجواء عالمية مشحونة بحالات من الانتظار والقلق لما سيؤول اليه وضع الاقتصاد العالمي نتيجة الأزمة المالية والاقتصادية التي تضرب مختلف الأسواق العالمية دون رحمة، والتي هي بحسب رأي العديد من المشاركين في المؤتمر، قد جاءت على خلفية قضية فساد كبرى، شارك فيها بدرجة كبيرة رؤساء شركات مالية وبنوك وشركات تأمين أخطبوطية وغيرهم، ساهموا بطرق متعددة في تظليل مجالس إداراتهم وعملاءهم وحكوماتهم وبورصات بلدانهم بمعلومات تعج بالمغالطات حتى انكشفت على شكل أزمة مالية عالمية كبرى، لا نعرف حتى الآن متى وكيف سيخرج العالم منها وبأية حال! وكان أحد مسبباتها غياب وتغييب عوامل الإفصاح والشفافية من قبل حكومات ومؤسسات وشركات مؤثرة في بنية الاقتصاد العالمي كما لاحظنا، وذلك ما إتضح من خلال نوعية الأوراق المقدمة وجدية النقاشات التي حفلت بها ورش عمل المؤتمر، حيث كان لافتاً إصرار غالبية الوفود والشخصيات المشاركة على أن تقوم البرلمانات بدور أكثر حيوية وفاعلية في مكافحة الفساد وعدم الاكتفاء برفع الشعارات الخالية من مضامين الجدية والعمل الحقيقي الناجز، والدعوة لاستغلال الظرف العالمي الراهن لدفع الحكومات التي لم تصادق بعد على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد للتصديق عليها سريعا والعمل على تعديل تشريعاتها الوطنية المطلوبة.  وفي هذا الإطار اعتبر المؤتمر أن مصادقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة على الاتفاقية منذ نوفمبر 2003، إنما جاءت تعبيرا عن حجم الإدراك العالمي للطبيعة العالمية للفساد، الذي أصبح غولاً يبتلع ثروات الشعوب والأمم، حيث بلغ مجموع الدول التي صادقت على تلك الاتفاقية حتى الآن 120 دولة فقط، فيما تتجاهل العديد من الحكومات وغالبيتها من دول العالم الثالث التصديق من جانبها حتى الآن! وذلك تحت أعذار ودعوات لا تستطيع أن تصمد أبداً أمام تزايد عمليات النهب المنظم وغير المنظم للثروات الوطنية في القطاعين العام والخاص على حد سواء، وكان لافتاً أيضا تأكيد المؤتمر على أن العديد من البرلمانات والبرلمانيين يساهمون بفسادهم وصفقات كتلهم وأحزابهم وتخاذلهم في ذلك مع حكوماتهم نزولاً عند مطامحهم الشخصية أو الحزبية أو الفئوية في ازدياد سطوة الفساد وضغطه على إقتصادات دولهم وتعطيل مشاريع التنمية فيها مما يضاعف كلفة الفساد ويعقد أكثر إمكانية تقليص سطوته المدمرة.
ونستطيع ان نقرأ حجم المعاناة العالمية لوطأة الفساد، من خلال ما قدم من أوراق عمل ونقاشات قامت بها مختلف الوفود التي حضرت المؤتمر، حيث تتباين النتائج سلباً وإيجاباً بين الحيرة في إيجاد مخارج وحلول لدول بعينها ومرارة الأسئلة وعرض القضايا وعمق التأزم بين دولة وأخرى بحسب عدة مؤشرات يمكن ملاحظتها بوضوح، تبعا لطبيعة الأنظمة السياسية ووسائل الإفصاح والشفافية والسلطات المتاحة لمختلف الجهات الرقابية فيها، هذا إلى جانب توافر بقية العوامل الأخرى لما اصطلح على تسميته بالحكم الصالح. على أن الأمر اللافت حقيقة، هو أن قوة طرح الوفود المشاركة لقضايا الفساد خلال النقاشات لم تكن بالضرورة ذات صلة بحجم تمثيلها في المؤتمر، وإنما من خلال إسهامات من حضروا النقاشات وعرض الأوراق، فمنهم من شارك بوفود محدودة العدد ولكن عطاءها كان كبيراً، وبالعكس كانت هناك وفود كبيرة الحجم من البرلمانيين الذين حضروا ولكن كان حضور غالبيتهم تشريفياً بل غير مبرر أصلا، حتى أن رئيس وفد أحد البرلمانات العربية الذي كان يجول في ردهات المؤتمر معتمرا جبته التقليدية طيلة فترات المؤتمر، كان قد ذكر بأن بلاده ولله الحمد ليس فيها للفساد موطئ قدم!! والجميع هناك بحسب أقواله يعيشون تحت راية الإسلام وقيادة ولي الأمر وعطاياه ورشادة حكمه في عز ومنعة، فيما اكتفى بعض من التحقوا بوفد برلمان مملكة البحرين بتصوير زملائهم خلال الجلسة الافتتاحية بالهواتف المحمولة وهم في أوضاع مسترخية وإرسالها مباشرة لبعض صحفنا المحلية، التي لم تتوانَ عن استكمال المشهد الساخر بنشرها لتلك الصور، فيما أصر اولئك البعض على حضور بعض جلسات الحوار لتسجيل مداخلات عناصر الوفد الأهلي البحريني خلال جلسات النقاش- ربما لدواعي الأرشفة ليس إلا! في حين غاب البعض الآخر من نوابنا عن معظم الجلسات… في مهمات مكوكية على ما يبدو! دون أن يبدوا أية جدية تذكر من شأنها أن تعطي معنىً لحضورهم الاحتفالي لهذا المؤتمر الهام، مما يعطي دليلا آخر على الوضع الرقابي المتوقع لبرلماننا الحالي حيال مهمات مكافحة الفساد المنتظرة منذ أكثر من ثلاث سنوات مضت من عمر هذا المجلس العتيد.



الأيام 28 ديسمبر 2008