المنشور

كتب للمرأة‮.. ‬كتب للرجل‮!‬

من الممكن،‮ ‬أو حتى من السهل أن نصنف الكتب حسب تخصصاتها والحقول التي‮ ‬تتناولها،‮ ‬وأحيانا حتى من طبيعة الفئات القارئة التي‮ ‬توجه إليها هذه الكتب تبعا للمرحلة العمرية أو التخصصات أو الاهتمامات‮.‬ ‮ ‬فالكتاب الموجه للطفل،‮ ‬شكلاً‮ ‬ولغةً‮ ‬وموضوعاً،‮ ‬هو بالتأكيد‮ ‬غير ذلك الكتاب الموجه للكبار،‮ ‬وما‮ ‬يهتم به الطبيب أو المهندس من كتب قد‮ ‬يختلف جذريا عن تلك الكتب التي‮ ‬يهتم بها رجل المسرح أو السينما‮.. ‬الخ‮.‬ ‮ ‬دون أن ننسى أن الكثير من الأطباء والمهندسين قد‮ ‬يكونون أيضا مهتمين بالمسرح أو التشكيل أو الرواية،‮ ‬بل قد‮ ‬يكونون كتابا أو فنانين تشكيليين،‮ ‬والأمثلة هنا أكثر من أن تحصى‮.‬ ولكن هل‮ ‬يمكن تصنيف القراء حسب الجنس،‮ ‬وبالتالي‮ ‬تقسيم الكتب إلى نوعين‮: ‬كتب نسائية بمعنى أنها موجهة للنساء فقط،‮ ‬وكتب رجالية بمعنى أنها موجهة للرجال فقط؟‮!‬ قد‮ ‬يبدو السؤال‮ ‬غريباً،‮ ‬لأن الانطباع السائد أن الجنسين‮ ‬يقرؤون الكتب ذاتها،‮ ‬ويتعلمون في‮ ‬المدارس والجامعات في‮ ‬المقررات نفسها التي‮ ‬تجعلهم نتاج تنشئة تعليمية واحدة،‮ ‬ولكن التجارب تدل على أن هناك استجابات مختلفة لدى كل من الرجال والنساء‮ – ‬كل على حدة‮ – ‬للقراءة،‮ ‬وميول مختلفة في‮ ‬اختيار ما هو مناسب للقراءة‮ .‬ نقول هذا بصرف النظر عن القناعة العميقة السائدة،‮ ‬وهي‮ ‬قناعة هناك ما‮ ‬يبررها وحتى‮ ‬يؤكدها،‮ ‬من أن النساء بطبعهن لا‮ ‬يملن إلى قراءة الكتب والمقالات ذات المضامين السياسية،‮ ‬على خلاف الرجال الذين‮ ‬يبدون أكثر استجابة لهذا النوع من الكتب والمقالات‮.‬ في‮ ‬كتابه‮:»‬أخلاقيات القراءة‮« ‬يدعو جي‮ ‬ميلر إلى تمييز صارم بين الجنسين حين نتوجه إليهما بالكتابة،‮ ‬وينبني‮ ‬هذا التمييز على ما‮ ‬يصفه بـ‮ »‬سحر الحشمة للنساء،‮ ‬والحقيقة للرجال‮«. ‬ وهو‮ ‬ينقل عن كتاب‮ » ‬السيرة الذاتية‮ « ‬لترولوب مقتطفاً،‮ ‬يشير فيه إلى انه ليست هناك فتاة رفعت رأسها من قراءة رواياته وهي‮ ‬أقل حشمة مما كانت،‮ ‬وربما‮ ‬يكون بعضهن قد تعلمن من الصفحات أن الحشمة سحر‮ ‬يستحق أن‮ ‬يُصان،‮ ‬وان ليس ثمة من شاب قد تعلم انه سيجد في‮ ‬الكذب والبهرجة الطريق نحو الرجولة‮.‬ قد لا‮ ‬يفسر هذا كفايةً‮ ‬أن هناك أدباء وكُتاباً‮ ‬تكرسوا بوصفهم كتابا للنساء أكثر من كونهم كُتابا للرجال،‮ ‬حتى لو كانوا مقروئين من جمهور رجالي‮ ‬أيضا،‮ ‬وهذا ما‮ ‬يفسر لنا ظاهرة حية كظاهرة الشاعر الراحل نزار قباني‮ ‬الذي‮ ‬لم تفلح كل أشعاره التي‮ ‬تناولت الشأن السياسي‮ ‬في‮ ‬تغيير الصورة التي‮ ‬تكرست عنه بوصفه شاعرا للمرأة‮.‬ كقاعدة،‮ ‬والقاعدة تنطوي‮ ‬دائما على استثناءات مهمة،‮ ‬فان الرجل أميل إلى التراكيب الذهنية التي‮ ‬تبدو أقرب إلى ما‮ ‬يدعى المنطق أو الواقعية،‮ ‬أما المرأة فهي‮ ‬أميل إلى ما‮ ‬يمليه الوجدان،‮ ‬وبتعبير جبران خليل جبران فان لها عقلا خاصا بها نسميه الحدس‮.‬ وإذا صحت هذه القاعدة،‮ ‬فإنها قد تفسر لماذا‮ ‬يتحمل الرجل صرامة الكتابة الذهنية،‮ ‬وتفضل المرأة الكتابة الوجدانية النابعة من الروح‮.‬
 
صحيفة الايام
17 ديسمبر 2008