المنشور

في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان


إن يوم العاشر من شهر ديسمبر.. هو يوم مضيء في صفحات التاريخ.. بحسب ما يظل محفورا في ضمير الشعوب.. وماثلا في وجدان جميع طالبي الحرية والكرامة الإنسانية على وجه البسيطة.. إنه اليوم العالمي في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يمثل الركيزة الأساسية في مناصرة المضطهدين والمسودين والمعذبين والمسحوقين، بتحرير أياديهم وفك أقدامهم المقيدة بالسلاسل والأغلال.. بقدر ما يخضع شرائح الأسياد الطبقية، ومن فيها المستبدون الأوليجاركية، إلى مجهر المساءلة الشعبية وإلى منظار المحاكمة الجماهيرية، من خلال الأقلام الحرة والكلمة الشجاعة، وعبر البيانات الوطنية المبدئية، والندوات والمؤتمرات التاريخية..
تمر الذكرى الستون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صدقت عليه “هيئة الأمم المتحدة” في العاشر من ديسمبر عام 1948. هذه الذكرى المقدسة.. تحتفل بها الشعوب المناضلة بمعارضتها الوطنية، ومختلف أحزابها التقدمية والديمقراطية والماركسية.. مثلما تحتفي بمفاهيمها منظمات حقوق الانسان المحلية والعربية والعالمية، وفي مقدمتها “هيئة الأمم المتحدة”.. وبحسب ما جاء هذا الإعلان العالمي تجسيدا للثورة الفرنسية عام 1789م.. وانعكاسا للمبادئ الأممية الثورية، التي أرسى دعائمها الفيلسوف والسياسي والاقتصادي المناضل “كارل ماركس” خلال أصول الفلسفة الماركسية.. فان هذا الإعلان بيومه العالمي جاء ليكشف فضائح الأنظمة الرأسمالية الاستعمارية، وعلى رأسها بريطانيا، التي هي أساس البلاء ومحور الكارثة في اقتلاع شعب فلسطين من أرضه، وتشريده من وطنه.. حينما نسجت أقذر المؤامرات ضد شعب فلسطين مع شتات ومافيا الصهيونية.. منذ وعد وزير خارجيتها “آرثر بلفور” المشئوم عام 1917م، مرورا بالانتداب البريطاني المذموم عام 1924م، وتتويجا بالنكبة عام 1948م عن إعلان إقامة دويلة الكيان الصهيوني في ليلة 15 مايو عام 1948م، وما تمخض عن ترسيخ تداعيات النكبة من التشريد والتهجير والاستيطان والتهويد والتمثيل بشعب فلسطين أبشع تمثيل بأحدث الأسلحة الأمريكية.. هي الأخرى في ظل إدارة “جورج بوش” المجرمة، قد غزت العراق، واحتلت أراضيه، وانتهكت حضارته، وجزأته إلى كانتونات وأشاعت فيه الفوضى والفتنة والطائفية والمذهبية.. ونهبت خيراته، وسرقت مقدرات الشعب العراقي.
لعل القول يبقى صحيحا هو حينما اخترقت الدول الغربية وفي مقدمتها بريطانيا وأمريكا سيادة الدول والشعوب العربية خاصة وشعوب دول العالم الثالث عامة.. فإن أنظمة دول العالم الثالث، قد لا تختلف سياساتها الاستبدادية عن سياسات الدول الغربية الاستعمارية والكولونيالية.. طالما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أماط اللثام عما تنتهكه هذه الحكومات بحق شعوبها لما تعانيه من أبشع القهر السياسي والاضطهاد الاجتماعي، ومكابدتها من تكميم الأفواه بمصادرة حرياتها السياسية، ومعاناتها من شد الأحزمة على البطون في ظل غياب العدالة الاجتماعية.. ناهيك عن محاولة هذه الحكومات الاوتوقراطية كسر أقلام المعارضين والمثقفين والرموز الوطنية، وقمع كلمتهم، خلال الملاحقات والمساءلات الأمنية والبوليسية أحيانا.. والزج بهم في غياهب السجون والمعتقلات في أحايين كثيرة.. في ظل أنظمة دكتاتورية فقدت ماء الوجه، وداست على الكرامة، وأهانت الهوية، واستمرأت الحماية الأجنبية واعتمدت الاتفاقيات الأمنية والعسكرية مع الدول الغربية، وصادرت حريات التعددية، وهمشت الدستور، وأهانت العقد الاجتماعي، وغازلت تنظيمات قوى تيار الإسلام السياسي، بإقامة الصفقات والاتفاقيات المتبادلة المصالح، ما بين التيارات الإسلامية والسلطات التنفيذية، بتحالفهما في مواجهة قوى التيارات التقدمية والديمقراطية.. ومثلما تسعى تنظيمات التيارات الإسلامية إلى إقامة الدولة الإسلامية القائمة على النص والحاكمية والمراجع الدينية.
إن العديد من قيادات وحكام الأنظمة العربية، قد حثت الخطى إلى مراجعة وتعديل الدستور بما يسمح بتمديد فترة رئاستها لفترة ثالثة وولاية رابعة، بل مدى الحياة.. بقدر ما سعى هذا الرئيس أو ذاك الرئيس الآخر إلى إعداد أبنائهم لخلافتهم، بتوريث الحكم والاستئثار بكرسي السلطة.. ولكن في نهاية المطاف لا يسعنا سوى القول إن يوم العاشر من شهر ديسمبر، يمثل عزاء لطبقات المضطهدين والمعذبين في الأرض.. بحسب ما تجسد الذكرى الستون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، علامات مضيئة، يستنهض من معينها طالبو الحرية في كل مكان إرادتهم وعزائمهم وصمودهم.. فسلام لحاملي لواء الحرية والوطنية والمبادئ الأممية، وراية الكرامة الإنسانية.. وهنيئا للشعوب المناضلة التي دأبت بنضالاتها وأبدعت بتضحياتها على انتزاع حقوقها وحرياتها والذود عن كرامتها.. وطوبى لشهداء الوطن وشهداء القلم وشهداء المبادئ الأممية والإنسانية.. مثلما دونت أسماؤهم في سجل الخالدين، التي تتألق في سماء المجد خلال هذا اليوم العالمي العاشر من ديسمبر من كل عام.



أخبار الخليج 12 ديسمبر 2008