المنشور

خطورة التوسع الاستهلاكي


حول الصعود التاريخي لأسعار النفط بلدان مجلس التعاون إلى ورش إعمار وبناء لا تكل ولا تمل حركة الرافعات فيها ليلاً ونهاراً. وألقت هذه الحركة بظلالها على خريطة الاستثمارات وتوزيعاتها القطاعية، حيث استأثر قطاع الإنشاء والتعمير بحصة الأسد من الاستثمارات المنفقة على المشاريع الاقتصادية والبنيوية في العام الماضي وهي 70%، ومن ضمنها مجمعات التسوق الضخمة التي تحاكي المجمعات التجارية الراقية في البلدان الغربية وبلدان جنوب شرق آسيا . ولكنها تحاكي أكثر معدل النمو السنوي للإنفاق الاستهلاكي في بلدان مجلس التعاون المقدر بما يتراوح بين 10% و20% على مدى السنوات الخمس المقبلة، حسب بعض التوقعات.
 
ومن الطبيعي أن تغري وتجتذب هذه الطفرة لمجمعات التسوق في بلدان مجلس التعاون سلسلة الشركات ذات الماركات العالمية المعروفة.
 
واتخذ كثير من مجمعات البيع بالتجزئة الجديدة صيغة ال ” فرانتشايز” العقدية بين أصحاب مشاريع المجمعات (المستثمرين الخليجيين) وأصحاب الماركات العالمية لتجارة التجزئة .
 
وكما جرت العادة الاستثمارية في دول مجلس التعاون، أدى الطلب المتزايد على أسواق السلع التي تتيحها هذه المجمعات التجارية إلى تكالب المستثمرين عليها، بحيث يُخشى أن يؤدي ذلك إلى حدوث “تخمة” في عرض هذه الأسواق، ناهيك عن المنافسة غير المتكافئة التي تضع فيها المؤسسات الوطنية النظيرة .
 
ولعل هذا ما يدعو المعنيين والمتتبعين للشأن الاقتصادي الخليجي للتحذير من مغبة ظاهرة فيض الطاقة في المجمعات التجارية الجديدة والأخرى قيد التشييد، وينصحون المستثمرين الخليجيين بأخذ العظة من تجربة الصين في هذا المضمار، حيث لم يواكب الطفرة العمرانية لمجمعات التسوق الكبرى في أواخر تسعينات القرن الماضي، نمو مواز في الإنفاق الاستهلاكي كما كان متوقعاً، ما أدى إلى ترك كثير من هذه المجمعات خالية من المتسوقين .
 
ولكن لا يبدو أن هذا الكلام (التحذير) يسري على دول مجلس التعاون، حتى الآن على الأقل. فالطلب الفعال والإنفاق الاستهلاكي ما زالا في أوج حيويتهما وديناميتهما، والشره الاستهلاكي (غير المعقلن في كثير من الأحيان) لازال في اندفاعه الأهوج. حتى موجة التضخم وارتفاع الأسعار لم تردع المستهلكين الخليجيين عن الإقلاع عن هوسهم الاستهلاكي .
 
ولذا قد يكون من المناسب دراسة إمكانية فرض ضريبة قيمة مضافة ( VAT) أو ضريبة مبيعات على سلة منتخبة من السلع الاستهلاكية لاستعادة التوازن الاقتصادي/الاجتماعي المرتبك.
 
وهذه الخطوة من شأنها تفعيل أداة السياسة المالية كآلية إدارة اقتصادية كلية بالغة الأهمية، وترشيد وعقلنة الاستهلاك الخاص، وتقليل فاتورة الواردات (بما يعزز الميزان التجاري وميزان المدفوعات ترتيباً) وتقليل كمية الفاقد من الفضلات والنفايات التي يعتبر التخلص منها وإعادة تدويرها كلفة إنتاجية واقتصادية ومشكلة حقيقية في دول مجلس التعاون التي تأتي نسبة القمامة بالنسبة للفرد فيها من بين أعلى النسب في العالم .
 
الخليج 3 ديسمبر 2008