المنشور

“‬نقابة ألبا‮” ‬تقدم لنا النموذج

بداية نزف التهنئة لمن فازوا في انتخابات ” نقابة ألبا ” التي جرت في الأيام القليلة الماضية. ففوز القائمة العمالية يعد في الحقيقة،  انتصاراً “للبحرين النموذج الحضاري المدني” الذي طالما جسدته هذه الجزر الجميلة الصغيرة في مساحتها، والعريقة بتاريخها وانفتاحها وتعدديتها وتسامحها ومكانتها الحضارية في وسط منطقة الخليج والجزيرة العربية، طبعاً، قبل أن تهب علينا رياح “الكوس” الشرقية المشبعة بالرطوبة الخانقة. وفي مشهدٍ يتسم بمنتهى الرقي والتحضر أدلى أكثر من 2600  عامل بأصواتهم، لقد صوتوا لصالح رفاقهم العمال الذين أثبتوا جدارتهم في الدفاع عن المطالب المشتركة لجميع عمال ألبا، بعيداً عن أية مؤثرات للطائفية السياسية أو العنصرية التي، ويا للأسف، تخيم الآن في سماء عموم المنطقة، وذلك لأسباب باتت معروفة لنا جميعاً، لا مجال لذكرها في هذه المساحة الضيقة.

ومنذ انتهاء انتخابات “نقابة ألبا” والعديد من الأسئلة لا تبارحنا. ومن بين تلك الأسئلة، هل النتائج التي تمخضت عنها تلك الانتخابات، جاءت بمحض الصدفة أم أنها ثمرة عمل طويل ومضني من أجل مصالح العمال، استغرق سنوات، قامت به القيادات العمالية التي صوتت لصالحها القواعد العمالية وأوصلتها إلى سدة قيادة النقابة للفترة القادمة. أم أن للتحالفات والتنازلات السياسية خلف الكواليس دوراً في الوصول إلى تلك النتائج، كما هو معهود في مثل هذه المنعطفات. أكثر الذين تحدثنا معهم من النقابيين والسياسيين أكدوا بأن فوز القائمة العمالية يؤكد على أن العمال قاموا بانتخاب قيادة عمالية تتسم بالعقلانية والنزعة السلمية في تحركاتها من أجل تحقيق مطالبهم، ملتزمة بالقوانين السارية في المملكة وبالمواثيق الدولية التي وقعت عليها مملكة البحرين دون مزايدات فارغة أو مناكفات تلحق الضرر بمطالب العمال دون طائل. وهذا السلوك النقابي التدرجي الرصين الذي لا يلجأ إلى خلط الأوراق المطلبية بالأوراق السياسية وغيرها هو الذي يمكن أن يحقق للعمال في كل موقع مطالبهم اللصيقة بهم.

وعلى أية حال، فإن الدرس البليغ الذي قدمته لنا انتخابات ألبا، هو أن العمال هم أعلم الناس بمصلحتهم أولاً، ثم، وحين تتوافر أجواء الحرية الواسعة في الاختيار، بحيادية تامة، بعيداً عن المؤثرات الأخرى، بإمكان الإنسان أن يكون رشيداً وعقلانياً في اختياره بما يخدم مصلحة القطاع الذي ينتمي إليه بوجه خاص، وعلى مستوى الوطن بوجه عام، وبصورة سلمية وحضارية راقية نتمنى لها أن تعم جميع ساحات المملكة دون طيش أو انفلات أو تحشيد.

وهنا لابد أن نشيد بأن للتعامل العقلاني والحضاري من جانب الإدارة التنفيذية في شركة ألبا دوراً محورياً وإيجابياً في وصول النقابة والشركة إلى ما يرضي الطرفين. إن تلك التجربة العمالية المميزة تفرض تحدياً جديداً أمام بعض القوى السياسية التي ما فتئت تكرس جهودها من أجل خدمة مصالح حزبية أو طائفية سياسية ضيقة، واختزلت مصالح الوطن في مصالحها الخاصة غير عابئة لا بالعمال ولا بغيرهم. وهناك دليل على ما نقول أكثر وضوحاً، يبرهن لنا أن تلك القوى السياسية تعمل على تشرذم المطالب، لا وحدتها. فمنذ سبع سنوات ونيف وطلبة الجامعات يحاولون لملمة صفوفهم في إطار اتحاد طلابي يجمعهم كي يدافع عن مطالبهم الطلابية التي أصبحت – مع مرور الوقت تكبر وتتعقد – بحكم تعقد العملية التعليمية واتساع نطاقها ومتطلباتها من جهة، ناهيك عن الظهور السريع والواسع للجامعات والمعاهد الخاصة، مع فرضها لرسوم جامعية عالية، بل وفي أغلب الأحيان مبالغ فيها، مع افتقار أغلبها إلى المعايير التعليمية المعروفة فى دول العالم المختلفة، وهذا كله ينعكس بدوره على أوضاع الطلبة المادية ومستواهم الأكاديمي وقدرتهم على المنافسة في سوق العمل، الذي بات يتطلب معايير مختلفة من المتقدمين للحصول على وظيفة. لماذا لم يتمكن الجسم الطلابي من تأطير جهوده على مدى السبع سنوات الماضية؟ ولماذا لا نبني على ما أنجزناه وتحقق من مكاسب سياسية أو غيرها؟ ولماذا لا نركز عملنا على تحقيق الحقوق المطلبية لكل قطاع من قطاعات المجتمع بشكل تدريجي، دون حماس زائد أو تصعيد غير مبرر وخلطٍ للأوراق، يعيدنا إلى الوراء من جديد؟

هذا سؤال نترك الإجابة عليه برسم القوى السياسية التي تعمل – سواء بوعي منها أو بدون وعي – على تخريب العمل السياسي والمطلبي في كل الساحات. وهكذا، يوماً بعد يوم، نكتشف حاجتنا الماسة لقيادات سياسية، تمتلك المهارات اللازمة للعمل في أجواء العمل الوطني العلني الذي، لا شك، أنه يختلف كلياً عما تمرست عليه القيادات الحالية في ظروف عملها السري وتضحياتها آنذاك، التي  نقدرها ونجلها، ولكن لم يعد ذلك العمل  صالحاً لهذا الزمن. 

 
الأيام 13 نوفمبر 2008