المنشور

قراءة مواطن للرؤية الاقتصادية‮ (٢-٤)‬

تركزت أهداف الرؤية الثلاثة‮ (‬الاستدامة‮ ‬‭-‬‮ ‬التنافسية‮ ‬‭-‬‮ ‬العدالة‮) ‬أو الهدف الرئيس للرؤية في‮ ‬زيادة دخل الفرد‮ (‬الأسرة الحقيقي‮) ‬دون أن تغفل عن التوضيح،‮ ‬بأن تلك الزيادة والتحسين المعيشي‮ ‬يواجه تحديات،‮ ‬وهنا مفتاح مسألة صراع الوجود،‮ ‬صراع التحديات،‮ ‬لشعب صغير محدود في‮ ‬ثروته ومحاط بتقلبات اقتصادية إقليمية وعالمية،‮ ‬ويعيش ضمن دائرة ثقافية وبيئة محلية من الضروري‮ ‬أن ننتبه إليها،‮ ‬فهي‮ ‬مهمة للغاية لتحديد معنى الرفاهية الاجتماعية للأسرة ودخلها‮. ‬
طرحت الرؤية معضلة حقيقية جرسها خطير،‮ ‬بأن البحريني‮ ‬لا‮ ‬يمثل الاختيار الأمثل للقطاع الخاص‮!! ‬فإذا ما سلمنا جدلا أننا استطعنا أن نواجه التحديات المحددة وتجاوز شروطها،‮ ‬وهي‮ ‬بالضرورة تعتمد على أطراف ثلاثة في‮ ‬الإنتاج وعمليته،‮ ‬فإذا ما تم تصنيف العمالة الأجنبية والمهارة المطلوبة لمواجهتها،‮ ‬في‮ ‬ظل حسابات مستقبلية لتزايد حجم العمالة البحرينية للضعف خلال عقد،‮ ‬فالنظام السياسي‮ ‬وفر لنا نظاما تعليميا مجانيا ومتطورا،‮ ‬والذي‮ ‬سيقذف لسوق العمل خريجين‮ ‬يفتشون عن عمل،‮ ‬خريجين‮ ‬غير قادرين على تلبية الحاجة لذلك السوق،‮ ‬ويطالبون بأجر مرتفع في‮ ‬ظل وجود عمالة ارخص وأكثر مهارة‮!! ‬فنقع من جديد في‮ ‬الحلقة المفرغة القديمة،‮ ‬ونعود للتأهيل والتدريب لخريج كان من الأجدى أن تستفيد الدولة والوطن والمجتمع من مهارته مباشرة بدلا من إنفاق مضاعف،‮ ‬بالإضافة إلى ضياع الوقت وهو عنصر مهم في‮ ‬العملية الإنتاجية‮. ‬هذه الحلقة‮ ‬ينبغي‮ ‬كسرها تعليميا،‮ ‬بخلق مناهج أكثر دقة ودراية بسوق العمل والمستقبل المهني‮ ‬لذلك السوق،‮ ‬فنحن حتى الان نجد شكوى من أرباب العمل أو القطاع الخاص ووزارة العمل تتحجج عن عدم وجود مهارات ومهن مطلوبة،‮ ‬وهذا الادعاء له مبرراته فلا احد‮ ‬يوظف شخصا من اجل الأعمال الخيرية،‮ ‬فالبزنس بزنس‮ !!‬،‮ ‬ولكن ماذا لديه رب العمل من حجج في‮ ‬حالة توفير المهارة المطلوبة في‮ ‬سوق العمل ويبعث إليه قسم العاطلين في‮ ‬الوزارة بقائمة أسماء؟،‮ ‬سنجد بالطبع التلكؤ من أرباب العمل،‮ ‬فالمهارة الأجنبية ارخص أجرا‮. ‬وهذا هو مربط الفرس،‮ ‬ارخص أجرا،‮ ‬بل وأكثر طاعة والتزاما بخطط العمل والإنتاجية وكل الشروط اللاانسانية التي‮ ‬يقبلها العامل الأجنبي‮. ‬
في‮ ‬هذه الحالة نجد حلقة فارغة كبيرة وعسيرة‮ ‬يتململ منها القطاع الخاص،‮ ‬والذي‮ ‬تحاول الرؤية جذبه للمشاركة في‮ ‬العملية الإنتاجية في‮ ‬البحرين سواء كان قطاعا خاصا أجنبيا أو محليا‮. ‬فهل‮ ‬يتنازل القطاع الخاص عن مسألة عدالة الأجور في‮ ‬مجتمع رأسمالي‮ ‬أم‮ ‬يفضل أجوراً‮ ‬في‮ ‬مجتمع السخرة؟ فشروط العمل وظروفه هنا مختلفة عن العمل في‮ ‬السخرة،‮ ‬والذي‮ ‬نرى كيف أن العمالة الأجنبية بدأت تتذمر وتبحث لها عن وسائل للتنفيس عبر انفجاراتها‮. ‬ومع ذلك،سيبقى ترويض العمالة الأجنبية أسهل وفصلها وإنهاء عقود خدماتها أهون من عمالة محلية مشاكسة‮. ‬ولهذا لن‮ ‬يتحقق هذا التوازن والتوافق الاجتماعي‮ ‬إلا بالتنازلات المشتركة والعقود المهنية العادلة بما فيها المحور الهام‮ »‬الأجور المجزية‮«. ‬وافهم معنى أن تكون الأجور مجزية في‮ ‬ظل قانون قضائي‮ ‬لا‮ ‬يحاسب بشدة الطرفين في‮ ‬أثناء النزاع المهني،‮ ‬خاصة وان القطاع الخاص‮ ‬يجد نفسه قادرا على الضغط في‮ ‬حالات كثيرة‮. ‬وفي‮ ‬بيئة سياسية ديمقراطية ربما نقع في‮ ‬نزاعات عمالية دائمة كما نشهدها في‮ ‬العالم الرأسمالي‮ ‬برمته،‮ ‬فلا‮ ‬يمكن أن نتخيل أنفسنا جنة هادئة وسعيدة وسيكون مخاضها مريحا وولادتها للرؤية سهلة،‮ ‬بدون اجتياز تلك التحديات المطروحة وتذليل معوقاتها‮. ‬كنت في‮ ‬إحدى المرات اسأل نفسي‮ ‬أي‮ ‬نوع من قطاع خاص هذا الذي‮ ‬ليس على استعداد لدفع ضريبة الديزل؟‮!‬،‮ ‬وكانت الضريبة ما‮ ‬يقرب ‮٠٩ ‬فلسا،‮ ‬وهم الذين بسياراتهم‮ ‬يلوثون المناخ ويحتجزون الطرق ويفعلون ما‮ ‬يرغبون،‮ ‬بسواق لم‮ ‬يدربوا على قيم السياقة قبل أن‮ ‬يجلسوا للمقود‮. ‬
هكذا هدد المقاولون بالاعتصام احتجاجا على تلك الضريبة،‮ ‬والتي‮ ‬ستكون في‮ ‬النهاية عائدا للدولة والتي‮ ‬يتم تدويرها ضمن ميزانية الدخل الوطني‮! ‬مثل هذه الذهنية لا‮ ‬يمكنها أن تتفهم معنى الارتفاع بمستوى معيشة الناس وتحسين أجورهم،‮ ‬طالما أن المناقصات لديهم باتت مضمونة أيضا‮. ‬لقد اعتاد بعض من القطاع الخاص على الدلال مثلما اعتاد البعض منهم على المضايقة،‮ ‬فذلك‮ ‬يعتمد على طبيعة القطاع،‮ ‬الذي‮ ‬يعمل فيه وطبيعة المنافس المتنفذ‮. ‬لا نريد أن نسمع باستمرار الاسطوانة المشروخة بحكاية هروب الرأسمال والاستثمارات لمجرد أن اعتصاما حدث هنا أو إضرابا حدث هناك،‮ ‬فالمؤسسات الأجنبية لا تحمل أوراقها ومؤسساتها وتهاجر أو تنتقل لمجرد حدث نزاع عمالي‮ ‬قابل للتفاوض وإنهاء الوضع ضمن القانون،‮ ‬وإذا ما عجزت وسدت في‮ ‬وجهها الأبواب،‮ ‬فإن خياراتها النهائية حينذاك تصبح الرحيل إلى مكان أخر‮. ‬وعادة لا تختار الشركات الأجنبية بلدا دون علمها بكل مناخه السياسي‮ ‬والقانوني،‮ ‬ولكن الجاذبية الاستثمارية للمكان تحتمها أوضاع دولية وإقليمية والى حد كبير أيضا المحلية،‮ ‬وربما أي‮ ‬خلل في‮ ‬تلك الحلقات قد‮ ‬يؤثر على وضعها ونشاطها‮. ‬لهذا ستبدو لنا الرؤية متكاملة إذا ما نجحت بالفعل الحكومة والمؤسسات والمنظمات المهنية والسياسية تفهم عملية التنازل،‮ ‬ومنح الأولوية للمواطن في‮ ‬كل القضايا،‮ ‬فلا توجد حجة لأي‮ ‬فرد‮ ‬يرفض العمل عندما تصبح الأجور مجزية،‮ ‬مثلما لا‮ ‬يحق لرب العمل البحث عن ذرائع المهارة،‮ ‬فكل وظيفة‮ ‬يشغرها عامل أجنبي‮ ‬بالإمكان أن‮ ‬يتم الإحلال محلها بعد التدريب والتأهيل‮.  ‬

صحيفة الايام
11 نوفمبر 2008