المنشور

منظومتـنا التشريعية

علينا التذكير بالمطالبات المستمرة منذ عودة الحياة النيابية في البلاد بضرورة إعادة النظر في المنظومة التشريعية النافدة في البحرين، خاصة منها تلك المتصلة بموضوع الحريات العامة، لأن هذه المنظومة صُممت في مرحلة قانون أمن الدولة، بعد إنهاء الحياة النيابية في السبعينات، حيث تولت السلطة التنفيذية مهام التشريع. والكثير من هذه التشريعات وضعت تحت الهاجس الأمني الذي طبع تفكير وسلوك تلك المرحلة، وعلى الرغم من الأهمية التاريخية لإلغاء قانون أمن الدولة من جانب جلالة الملك في مطالع مشروع الإصلاح، إلا أن العديد من النصوص في التشريعات الأخرى، بما فيها قانون العقوبات ذاته ظلت مشبعةً بروح قانون أمن الدولة، لا بل أن بعض نصوصه سربت إلى هذه التشريعات. وأذكر أن القائد الوطني المرحوم أحمد الذوادي طالما ألح على فكرة إعادة النظر في هذه التشريعات في مقالاته الصحافية وفي الندوات التي أقامها في السنوات التي سبقت رحيله، ورأى أن في المنظومة التشريعية الموروثة من المرحلة السابقة تشكل عائقاً كبيراً في وجه عملية الإصلاح السياسي المنشود.
فلا يكفي أن تعود الحياة النيابية وأن يُلغى العمل بقانون أمن الدولة وأن يطلق سراح المعتقلين ويعود المنفيون، مع التقدير العالي لما مثلته هذه التدابير من أهمية قصوى في التحولات السياسية في بلادنا، لكن طالما كانت البنية التشريعية التي تسمح بإعادة التدابير الملغاة أو بعضها قائمة، فان وضع الحريات المُكتسبة سيظل قلقاً. وهذا ما يكشف عنه جلياً الجدل الذي أثارته تصريحات وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، حول تفعيل النصوص القانونية التي تنص على عقوبات بالسجن والغرامة المالية ضد المشاركين في ما يصفه القانون بـ “اجتماعات أو مؤتمرات أو ندوات في الخارج أو التقاء ممثلي دول أجنبية أو منظمات أو هيئات أجنبية بغرض بحث الأوضاع والشؤون الداخلية لمملكة البحرين من دون ترخيص”، مما يعني انه ستجري إحالة هؤلاء المشاركين للقضاء.
 والخطورة لا تتأتى من النص القانوني وحده، وإنما من الالتباس الذي صِيغَ به هذا النص بشكل مدروس، بحيث يمكن لأي رأي معارض يُقال أن يندرج في إطار المحظور قانوناً، ويعرض صاحبه للمساءلة القانونية، وهذا ما تؤكده التجربة العيانية. كنا، وما نزال، من دعاة تفعيل آليات الحوار بين الدولة والمجتمع لبلوغ حلول حول المسائل غير المحلولة على الصعيد السياسي خاصة، مع ملاحظة أن التلكؤ في بلوغ هذه الحلول لن يؤدي إلا إلى تفاقمها، بما يخلق حالاً من الاحتقان. بالمقابل علينا التأكيد على ما كان موضوعاً لحديثنا في هذه الزاوية منذ أيام عن تداخل قضايا العالم وترابطها في عالم اليوم الذي دفعت به العولمة إلى آفاق جديدة من الوحدة، للدرجة التي بات يدور فيها حديث عن مجتمعٍ مدني عالمي تُوحده قضايا الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان وحماية البيئة ونُصرة مبادئ مساواة المرأة وإدماج الأقليات وغيرها من قضايا.