المنشور

تحية للأيادي البيضاء في دعم المشاريع الوطنية والتنموية


إن ما يقوم به العديد من الوجهاء ومؤسسات القطاع الخاص، بالتبرع من اجل إقامة مشاريع تنموية أو تربوية أو طبية أو اجتماعية، أو دعم مؤسسات علمية وتربوية وعلاجية طبية، ومراكز للطفولة والنشء، في مملكة البحرين، يمثل عملا وطنيا واجتماعيا وأخلاقيا، يفخر به المجتمع البحريني، بقدر ما يكشف عن تلك الأيادي البيضاء، التي يؤكد أصحابها إنهم من ذوي الضمائر الحية واليقظة، برقي إنسانيتهم وارتقاء أخلاقياتهم، ورقي سلوكياتهم، وصفاء سريرتهم، ونقاء معدنهم.


ولكن حينما تذهب تلك التبرعات والمساعدات إلى الصناديق الخيرية، التي هي بدورها تمثل همزة الوصل ما بين ما يقدمه بعض البنوك والشركات، من توزيع قسائم مشتريات ضمن اطار “برنامج الهبات والتبرعات للأسر المحتاجة” خاصة في شهر رمضان والمناسبات الأخرى.. فان تلك المساعدات تظل تائهة في بوتقة ازدواجية المتناقضات والمعايير معا، ما بين ما تمثله هذه المساعدات واجبا وطنيا وانسانيا وأخلاقيا، من دون تفرقة ولا تمييز إزاء البعض للصناديق الخيرية.. مثلما يظل (هذا الواجب) بالنسبة إلى البعض الآخر من الصناديق الخيرية، يمثل النقيض من ذلك، لكونها اتخذت تلك المساعدات من اجل المصالح السياسية والأغراض الانتخابية، والأهواء الذاتية، تكتنفها نزعات انتهازية ونعرات طائفية ومذهبية، عند محاولة هذا الصندوق الخيري إقصاء وتجاهل هؤلاء البعض وخروج أولئك البعض من قائمة المساعدات من الأسر المحتاجة، وذلك على أساس ممارسات غريبة وممقوتة، قد وأدها الشعب البحريني ودفنها منذ أمد بعيد، ممارسات اتسمت بالانقسامات الطائفية والاصطفافات المذهبية المرفوضة بالنسبة إلى الجميع.


ومن هذا المنطلق يبقى القول صحيحا ان تقديم تلك التبرعات من قبل الوجهاء والمؤسسات الشركات التي تقدر بآلاف الدنانير استوجب توظيفها لإقامة مشاريع تنموية رائدة، ودعم مؤسسات علمية وتربوية واجتماعية، كرصد ميزانية دعما لهذه المؤسسة او الاخرى، او دعما للوطن والمجتمع.. كبناء مدرسة او ترميم وصيانة مدرسة اخرى، او معهد علمي او معلم من المعالم الأثرية والتاريخية، أو التبرع برصد ميزانية للبحث العلمي او دعم مركز علمي للدراسة والبحوث، او مركز تربوي، او دعم مراكز طبية علاجية، على غرار إنشاء (وحدة المؤيد لعلاج مرضى الكلى) او التبرع لمراكز رعاية الموهوبين والمبدعين، وفي مقدمتها مركز رعاية الطلبة الموهوبين أو التبرع لجمعية الهلال الأحمر، وغيرها من المشاريع الرائدة التي تضفي حقائقها وتداعياتها الجوانب التنموية والاجتماعية والعلمية والإنسانية.


ولعل ما يفخر به الجميع بهذا الصدد، هو المبادرة الوطنية والأخلاقية التي تبناها الوجيه (شيخان الفارسي) بتبرعه بمليوني دينار – بحسب ما نشرته جريدة “أخبار الخليج” بتاريخ 5 سبتمبر 2008م – وذلك “لبناء ناد للأطفال والنشء في كل محافظة في مملكة البحرين” الذي يعد المشروع الأول من نوعه في مملكة البحرين.
هذا المشروع المميز يحمل بين طياته وماهيته نتائج مثمرة عظيمة ومكتسبات تنموية بشرية رائدة.. لكونه ينمي مواهب الأطفال والنشء الذين يشكلون نصف الحاضر وكل المستقبل، بقدر إثارة تساؤلاتهم، والإسراع في نضج أفكارهم، وتوسعة آفاقهم، وتنمية ملكاتهم، وتطوير وصقل مواهبهم وتعزيز عطاءاتهم وإبداعاتهم، وتوطيد أنماط أفكارهم، والنهوض بشخصياتهم وذواتهم، وتنوير معالم درب حياتهم العملية المستقبلية، وترسيخ ثقتهم بأنفسهم ونتاجاتهم.


في نهاية المطاف يبقى أن نفخر قولا إن مبادرة الوجيه شيخان الفارسي بتبرعه لإقامة مشروع تنموي وتربوي وإنساني واجتماعي، قد تلتقي مفاهيمه وحقائقه مغازي ودلالات تبرعات العديد من مؤسسات القطاع الخاص سواء من اجل اقامة او دعم مختلف المشاريع العلمية والتربوية والاجتماعية.
هذه المشاريع الرائدة جميعها لم تذهب نتائجها وتداعياتها سدى أو هباء أدراج الرياح، مثلما يحدث مع بعض الصناديق الخيرية بهذا الشأن.. وانما تظل هذه المشاريع راسخة في جذور أرضية الواقع الملموس عبر السنين والأعوام وتعاقب الأجيال.. لكون جوهر هذه المشاريع يجسد المعايير التراكمية بمقاييسها الكيفية والنوعية للتراث والإرث التاريخي، وللمفاهيم الحضارية الإنسانية المتطورة، والقائمة على نتاجات عقول مفكريها وعباقرتها ومثقفيها، وإبداعات مواطنيها وأبنائها، الذين جميعهم ينهلون العلم والمعرفة من خلال المؤسسات والمعالم والهيئات التعليمية والتربوية والعلمية والإنسانية سواء المدعومة من الدولة او الوجهاء او مختلف المؤسسات، بقدر ما يستنهضون الهمم والإرادات من معين العلوم التخصصية ومن معين الثقافة والمعارف النوعية العامة، التي من خلالها يتلمسون دربهم باستناراتها، ويشقون طريقهم بإضاءاتها.


أخبار الخليج 7  نوفمبر 2008