المنشور

سجل حافل من التخبط !


من أسوأ ما اتسم به سلوك التشكيلات الحكومية المتعاقبة للإدارة السياسية الحالية خلال السنوات الثلاث الأخيرة هذا التخبط المتواصل، والتراجع المتكرر عن مراسيم تم إصدارها، وعن قرارات حكومية جرى اتخاذها، وعن إجراءات وخطوات بدأ العمل على تنفيذها، وعن مشروعات ومراسيم بقوانين تم الإعلان عنها وجرت محاولات لتمريرها، وذلك بالتراجع عنها مرة تحت ضغط التلويح باستجواب نيابي، وأخرى في مواجهة رفض شعبي، وثالثة بعد افتضاح ما انطوت عليه هذه المراسيم أو القرارات من أخطاء جوهرية صارخة لا يمكن سترها، وغير ذلك من أسباب وملابسات وظروف!


وهناك سجل حافل لمسلسل تخبط حكومات الرئاسة الحالية منذ العام 2006 إلى يومنا هذا… بدءاً من مناورة التقدم بمشروع قانون في شأن استحداث نظام الدوائر الانتخابية العشر مترافقاً مع الموافقة على طلب غريب مريب بإحالة المشروع قبل إقراره إلى المحكمة الدستورية، ثم محاولة التراجع عن ذلك الطلب، مما فاقم أزمة الدوائر وأدى إلى حلّ مجلس الأمة وإجراء انتخابات نيابية، وبعده اضطرار الحكومة اللاحقة إلى تقديم مشروع بقانون في شأن الدوائر الخمس، الذي كانت تتحفظ عليه وتعارضه!
مروراً بإقرار مشروع تفكيك وزارة الإعلام ثم التراجع عنه… وبعده إصدار المرسوم المثير للشبهات بتأسيس شركة أمانة للتخزين كشركة مساهمة عامة ثم إلغاؤه… وإقرار مجلس الخدمة المدنية عدداً من الكوادر المالية للعاملين في بعض الجهات الحكومية ثم تأجيلها وبعد ذلك التراجع عنها… وإقرار مرسوم قانون في شأن الاجتماعات العامة خلال فترة حلّ مجلس الأمة وانتخابات 2008 ثم سحبه… وإصدار مرسوم التجنيس الشهير من دون تدقيق وتثبّت، ثم افتضاح ما انطوى عليه ذلك المرسوم من أخطاء ومخالفات جسيمة تمثلت في منح الجنسية الكويتية لأشخاص متوفين ولعناصر عليها قيود أمنية، ليعقبه التراجع الأخير المثير للشفقة بعد مرور فترة طويلة من العناد الحكومي والدفاع المستميت عن ذلك المرسوم وإصدار مرسومين جديدين لتصحيح ما اعتوره من أخطاء… ومن شواهد التخبط الحكومي إصدار مجلس الوزراء قراره البائس المرقم 666/ رابعاً في شأن منع جمعيات النفع العام من مخاطبة أي جهة أو مراسلتها إلا عبر قنوات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ثم التراجع عنه، بل والتبرؤ منه… والمكابرة الحكومية في رفض الطلب النيابي المعد من النائب أحمد المليفي بإحالة ما أُثير حول مصروفات ديوان سمو رئيس مجلس الوزراء إلى ديوان المحاسبة والضغط على بعض النواب لسحب توقيعاتهم عليه، ثم المزايدة عليهم بعد ذلك والإعلان عن تقديم طلب حكومي مستقل في هذا الشأن، وأخيراً بعد صدور تقرير ديوان المحاسبة جرت المحاولة الاستفزازية البائسة لتعميم النشر الصحافي لملخص مجتزأ ومخالف للحقيقة عما تضمنه التقرير ما استثار ردة فعل غاضبة من النائب المليفي دفعته إلى إعلان عزمه تقديم الاستجواب، وبعد ذلك أصدرت الحكومة في إطار المساومة لوقف الاستجواب الموعود قرارها الأخير بتشكيل لجنة حكومية في شأن المخالفات الواردة في التقرير، وهو إقرار حكومي فعلي بوجود المخالفات، التي سبق أن تمّ نفيها… وقبله إصدار القرار الخاطئ والمخالف للقانون في شأن نسب توزيع أسهم الاكتتاب في شركة الاتصالات الثالثة ثم التراجع عنه… بل أنّه حتى مشروع المصفاة الرابعة المثير للجدل كان عرضة ولا يزال لهذا التخبط الحكومي، فقد سبق أن أحالت الحكومة هذا المشروع في العام 2006 إلى لجنة المناقصات المركزية وأخضعته إلى أحكام قانون المناقصات العامة، ثم سحبته بعد ذلك وادعت أنّ مناقصات الشركات النفطية لا تخضع لقانون المناقصات، وخلقت بذلك أزمة ستضطر في الغالب بعد أيام إلى التراجع عن قرارها الخاطئ لتجنّب الاستجواب الموعود في حال استمرار الإجراءات المخالفة المتبعة حالياً.


هذا السجل الحافل والطويل من مسلسل التخبط الحكومي المتكرر يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك عدم جدارة الإدارة السياسية الحالية، وليس فقط التشكيلة الوزارية القائمة، لتولي مسؤولية إدارة شؤون الدولة.
 


جريدة عالم المعرفة
 5 نوفمبر 2008