المنشور

جردة حساب للنواب ( 1 – 4 )


كانت دورة البرلمان الأولى بعد انتخابات 2002 أحفل بالنشاط التحويلي للمجتمع من الدورة الثانية وكان لهذا أسباب، وكان التأزيم السياسي لدورة البرلمان الأولى  يأتي من الخارج الذي لم يفلح في تغيير جعل البرلمان بغرفتيه هو مركز الحياة السياسية.


ولم تظهر النغمة الطائفية بقوة في الانتخابات الأولى، بل ظهرت صفة الصراع السياسي بين تيارات البرلمان الليبرالية والوطنية وبين المذهبيين السنة المحافظين. كان الصراعُ سياسياً بين تكوينات سياسية لم تؤججْ نزاعاً مذهبياً محورياً في تلك الدورة البرلمانية الأولى، والتي كان يُفترض بحكم الخبرة وتناميها أن تكون أقل نضجاً من ذلك، لكن العكس هو الذي حدث فقد كانت أنضج من الدورة الثانية.

 
وكان دخول كتلة الوفاق الشيعية في الانتخابات برؤية مذهبية صارمة، قد نقل الصراعَ المذهبي بقوةٍ إلى داخل البرلمان، فقد حدث تخندق من الجانب الحكومي والمذهبي السني ومن جانب الوفاق. هذا التخندق له سببياته في الجانبين، وإذا قرأنا بأن حدود التغييرات المطروحة من قبل النظام هي في نقد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتغييرها، وليس في تغيير العلاقات السياسية الأساسية المقننة تبعاً للميثاق والدستور، يكون نشاط الوفاق يتراوح بين الجانبين بدلاً من أن يُركز على الجانب الأول حتى يتحول ويتطور البرلمان المنتخب ويكون قادراً على تغيير الوثائق التي شكلته!، فالبداية المعقولة والممكنة هي أن تجعل الناس تقتنع بجدواه ويقوم بتغيير حياتها المعاشية. أما أن يقفز ليغير العلاقات السياسية فهو المنحى الثاني للوفاق المتوجه للمستحيل وما هو غير ممكن حالياً. وعلينا أن نقرأ حجم هذه المراوحة بين الجانبين وما إذا كان الجانب الثاني يأخذ نصيب الأسد أم لا؟ وما إذا كان الجانب الأول جرى فيه حفر عميق أم لا وما هي أسباب ذلك كله!


ظهر التخندقُ من مقاطعة الوفاق الجلسة الافتتاحية لهذه الدورة، ثم حدث توجه لقضايا الجمهور بعض الوقت، ثم تصاعد الصراع المذهبي السياسي على محاور بدت سياسية محضة لكنها تحمل هاجس الصراع المذهبي السياسي العميق الذي يمثل عظام الجماعات المذهبية عادة.
 في العديد من المقتطفات السياسية لمندوبي الوفاق هناك حرص على حل قضايا الوطن، كوطنٍ واحد، وعلى حلِ قضايا الشعب كشعبٍ واحد، مفترض ومتخيل في الوعي المذهبي السياسي.

تقول إحدى الصحف العربية عن كتلة الوفاق:
(طالبت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة في البحرين من الحكومة بالاستفادة من الثروة النفطية التي توجد في أرض البحرين، من أجل تحسين الظروف المعيشية للناس، وتقديم مستوى أفضل للخدمات، ملمحاً للمكاسب ستتحقق للناس لو كان أفراد الحكومة منتخبين).
(ووفقاً لما ورد بجريدة الخليج الإماراتية أوضح الشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق إن ميزانية البحرين تستفيد من 80% من إيرادات النفط منذ اكتشافه عام 1932 وأشار الشيخ سلمان إلى أن 20% أخرى توفرها الضرائب والسياحة وغيرها، محذراً بوجوب إيجاد بدائل للنفط تعوض النسبة التي يوفرها للموازنة العامة. وطالب الشيخ على سلمان بالاستفادة من ارتفاع سعر النفط في تحسين الوضع المعيشي والخدمات والرواتب.
ومن جانب آخر ألمح سلمان أهمية أن يكون أفراد الحكومة منتخبين موضحاً إن الحكومة المنتخبة تتميز بحس الإدراك لمتطلبات المجتمع لأنها لا بد أن تفكر في برنامج يقنع الناس حتى ينتخبونها، وبالتالي ستفكر كيف تستطيع أن ترفع المستوى المعيشي للناس وكيف تحل مشاكلها)، شبكة الإعلام العربية، 5 اكتوبر 2008.


تعبر الفقرة الأولى عن عموميات يمكن أن يطرحها أي كاتب أو سياسي، لكن أن تكون صادرة من رئيس كتلة كبيرة  مسئولة  داخل برلمان فهو أمر غريب، فهذه جملٌ عامة ينبغي أن تـُؤسس على خطط وجهود سياسية وبحثية واستجوابية عميقة، فكان ينبغي معرفة هذه 80% كيف تـُوزع عبر مصادر دقيقة، وكيف تتشكلُ بعدالة، وأين هي جوانب التبذير والهدر، وكيف يمكن تعديل هذه العملية الإنفاقية برمتها. أي أن يتم الحصول على إخفاقات واضحة في عملية توزيع الميزانية والثروة الوطنية لتنفيذ الخطة البديلة.
ولكن لا توجد في الكتلة جهود حول ذلك، ولم يجر أخذ هذا الهدف كهدفٍ عميق وباستقصاءات دقيقة وبخطة وطنية مقابلة لخطة الحكومة. هناك خطة واضحة أو غامضة عند الحكومة لكن لا توجد خطة بديلة عند من تـُسمى المعارضة البرلمانية.
وهذا هو الجهد النقدي التحليلي المقبول والممكن سياسياً، لكن ذلك لا يحدث، فننتقلُ إلى قفزةٍ في الفقرة الثانية من ذلك الحديث.
فالشيخ علي سلمان الذي لم تقم كتلته بالحفر في إخفاقات توزيع الثروة النفطية، ولم تعرفها إلا بشكل إنشائي يصلح في كلام عابر على الرصيف، وليس في نضال مسئول هو جزءٌ من سلطة، يقفزُ بنا إلى تبديل النظام بجملته، فيندفع هنا للضفةِ الأخرى المستحيلة من العمل السياسي البرلماني المحكوم بوثائق، فيطلب تغيير الحكومة كلياً وهو لم يستطع حتى أن يعري مسألة النفط ويكشف الاختلالات في توزيع الثروة ويطرح مشروعات قوانين ويعري، فقفز في الهواء نحو مسألة تتوجه نحو تغيير الحكومة كلياً!


وبين ضفتي النضال الممكن والنضال المستحيل هناك تبسيطٌ سياسي وعدمُ جدية في البحث والكشف عن أخطاء الميزانيات وجذورها وتوزيعها، ولأن ذلك غير ممكن في مستويين سياسي وبحثي محدودين، يجري القفز إلى جانب مضاد هو تغيير الحكومة تماماً. ولسنا معنيين بالدفاع عن هذا أو نقضه، بل لقراءة خلل التفكير السياسي وقصوره عن متطلبات النضال الحقيقي على الأرض البرلمانية.
ويهمنا كذلك هنا درس هذه الشعارات والأفكار وتحليل سبب الإخفاقات وليس توجيه التهم للأشخاص.


لقد قال الشيخ علي سلمان في يوم 16/ 11/ 2006، (إن وجود كتلة من المعارضة داخل البرلمان سيساهم في تحريك العمل السياسي في البلد من خلال القنوات الرسمية.. لقد شاركنا في التصويت على ميثاق العمل الوطني(2001)، للخروج من عنق الزجاجة والآن نشاركُ من موقعِ الإحساس بالمسئولية)، ويضيف(الوفاق تحمل ملفات اقتصادية وسياسية لمجتمع أفضل. دعونا ننجز ما يصبو إليه الشعب. لكننا لن نتسامح مع أي فساد. نعرف العوائق وبيروقراطية الآلية التشريعية وندخل بروح واقعية ونضع نصب أعييننا الملفات المعيشية)، (العربية 26/ 11/ 2006).
هل حقاً كانت نصب أعينهم الملفات المعيشية؟ وما هي هذه الملفات الاقتصادية والسياسية التي ستُطرح؟ هل تحققتْ تطوراتٌ معيشية للشعب أم ازدادت أوضاعه سوءً؟!


علينا أن نتابع.


الحلقات الثلاث الأخرى منشورة على الموقع