المنشور

التعايش الذي‮ ‬دعا إليه الملك

في‮ ‬خطابهِ‮ ‬أمامَ‮ ‬المجلس الوطني،‮ ‬في‮ ‬افتتاحِ‮ ‬دور الانعقاد الثالث،‮ ‬ذَّكرَ‮ ‬جلالة الملك أعضاء المجلس بما شكلتهُ‮ ‬البحرين من نموذجٍ‮ ‬للتعايش السلمي‮ ‬السمح لأبنائها وبناتها من مختلف الأطياف،‮ ‬وهو التعايش الذي‮ ‬صارتْ‮ ‬تطمحُ‮ ‬إليهِ‮ ‬في‮ ‬عصرنا شعوبُ‮ ‬العالمِ‮ ‬قاطبةً‮.‬ هذا النموذج في‮ ‬التعايش،‮ ‬حسب كلمات جلالة الملك،‮ ‬هو الذي‮ ‬تأسستْ‮ ‬عليهِ‮ ‬الدولةُ‮ ‬الحديثة،‮ ‬وعلى أساسهِ‮ ‬نشأَ‮ ‬المجتمعُ‮ ‬المدني‮ ‬الذي‮ ‬تتميزُ‮ ‬بهِ‮ ‬البحرين،‮ ‬وهذا‮ ‬يضعُ‮ ‬على عاتقِ‮ ‬مجلس النواب،‮ ‬بالذات،‮ ‬مهمةً‮ ‬تاريخيةً‮ ‬في‮ ‬صونِ‮ ‬هذا التعايش والحفاظ عليه وتطويره،‮ ‬كون هذا المجلس منتخباً‮ ‬من الشعب ويُفترض فيه أن‮ ‬يكون ممثلاً‮ ‬له‮.‬ دعوة جلالة الملك تأتي‮ ‬في‮ ‬وقتٍ‮ ‬لا تكثرُ‮ ‬فيه،‮ ‬فقط،‮ ‬دعوات التلاقي‮ ‬والحوار والتفاهم بين مكونات المجتمع،‮ ‬وإنما تكثر فيه أيضاً‮ ‬دعوات الفرقة والتحشيد الطائفي‮ ‬وإثارة البغضاء المذهبية،‮ ‬ولو أن المقامَ‮ ‬هنا‮ ‬يتسعُ‮ ‬لأمكننا سرد الكثير من الأمثلة والأدلة في‮ ‬أكثر من موقعٍ‮ ‬وعلى أكثرِ‮ ‬من صعيد‮.‬ وذكرنا أمس أن مثل هذه الدعوات تكاثرتْ‮ ‬وتدافعتْ‮ ‬في‮ ‬الفترة الأخيرة السابقة لدور الانعقاد الجديد،‮ ‬وعبرنا من الخشية في‮ ‬أن تكون جلسات مجلس النواب القادمة ساحةً‮ ‬للتبارز الطائفي‮ ‬الذي‮ ‬شهدنا أمثلةً‮ ‬لهُ‮ ‬في‮ ‬الماضي‮ ‬القريب،‮ ‬ورأينا كيف انبعثتْ‮ ‬هذه الدعوات من المجلس وسرعان ما انتقلت إلى خطبِ‮ ‬الجوامعِ‮ ‬والى الشارع‮.‬ لدى البحرين تراثٌ‮ ‬يُؤهلها لأن تُقدم مثل هذا النموذج المتحضر من التعايش بين مُكونات مجتمعها القائم على التعددية،‮ ‬التي‮ ‬يُمكنُ،‮ ‬إذا ما أُحسن التعاملُ‮ ‬معها،‮ ‬أن تكون عاملَ‮ ‬إثراءٍ‮ ‬ومُوّلداً‮ ‬ديناميكياً‮ ‬لحيوية المجتمع وتلاقي‮ ‬روافده في‮ ‬مجرى خصب،‮ ‬وبالعكس‮ ‬يمكنُ‮ ‬لها أن تكون عاملَ‮ ‬فُرقةٍ‮ ‬واحتقان وتوتر،‮ ‬أذا ما وُظفت لأغراضٍ‮ ‬سياسية،‮ ‬وإذا لم‮ ‬يُراعَ‮ ‬مبدأ المواطنة الحقة،‮ ‬القائم على أسس الولاء للوطن وعلى التكافؤ في‮ ‬الفرص وفي‮ ‬الحقوق والواجبات‮.‬ ونحن في‮ ‬تاريخنا البعيد والقريب خَبرنا الحالين‮.‬ الحال التي‮ ‬كانت فيها هذه التعددية عامل توحيد وإثراء والتقاء على المشتركات العامة،‮ ‬وما أكثرها،‮ ‬والتي‮ ‬أعطت نمطاً‮ ‬اجتماعياً‮ ‬من العيش المشترك الذي‮ ‬خلق التسامح في‮ ‬النفوس والعقول،‮ ‬وأزالَ‮ ‬ما‮ ‬يُفترض أنها حواجز نفسية موروثة‮.‬ كما خبرنا الحال التي‮ ‬وُظفت فيها هذه التعددية في‮ ‬غير مقاصدها الأصلية،‮ ‬وحُولتْ‮ ‬إلى عوامل فرقة بدأها الانجليز بسياستهم المُجربة‮: ‬فرّق تسد،‮ ‬وامتدت آثارها،‮ ‬لتنبعث بقوةٍ‮ ‬في‮ ‬مراحل التوتر السياسي،‮ ‬خاصةً‮ ‬مع وجود عوامل تأثير إقليمية معروفة‮.‬ بيد النُخب السياسية في‮ ‬مواقع الحكمِ‮ ‬والمجتمع،‮ ‬أن تُغلبَ‮ ‬الخيار الأول،‮ ‬الذي‮ ‬نصت عليه كلمة جلالة الملك أمس الأول،‮ ‬وبيدها العكس كذلك،‮ ‬إن هي‮ ‬غَلبتْ،‮ ‬بوعيٍ‮ ‬أو بدون وعيٍ‮ ‬الخيار الثاني‮.‬ ولمجلس النواب كونهُ‮ ‬إحدى صور التعبير عن المجتمع أن‮ ‬ينهض بدور مهمٍ‮ ‬في‮ ‬أن‮ ‬يدفع بروح التسامح والعيش المشترك،‮ ‬إذا تحررت كُتلهُ‮ ‬من البواعث الطائفية والمذهبية،‮ ‬ما استطاعت إلى ذلك سبيلا،‮ ‬وأدركتْ‮ ‬أن معاناة المواطنِ‮ ‬وهمومه في‮ ‬هذا الوطن هي‮ ‬همومٌ‮ ‬واحدة،‮ ‬حتى وإن اختلفتْ‮ ‬تجلياتها‮.‬ وفي‮ ‬التاريخ السياسي‮ ‬للبحرين المعاصرة الكثير مما‮ ‬يُمكن استلهامهُ‮ ‬في‮ ‬هذا السياق.
 
صحيفة الايام
21 اكتوبر 2008