المنشور

بكين في‮ »‬عوالي‮«!‬

على عادته الحميدة في‮ ‬تنظيم محاضرات تتصل بموضوعات حيوية،‮ ‬يستضيف فيها مختصين وباحثين مرموقين،‮ ‬أقام مركز البحرين للدراسات والبحوث الأسبوع الفائت محاضرةً‮ ‬للدكتور جعفر كرار الأستاذ في‮ ‬مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي‮ ‬بالصين،‮ ‬أسهبَ‮ ‬فيها بالحديث عن المتغيرات في‮ ‬السياسة الخارجية الصينية‮.‬ وعلى خلاف الانطباع الذي‮ ‬يتكون في‮ ‬الأذهان عند قراءة أو سماع عنوان المحاضرة،‮ ‬فإن الرجل تحدث عن نقاط تماهٍ‮ ‬بين الصين والولايات المتحدة في‮ ‬عدد من الملفات الدولية،‮ ‬ذكر بينها ثلاثة‮.‬ الأول هو الملف النووي‮ ‬لكوريا الشمالية،‮ ‬حيث قال إن ما عجزت التهديدات الأمريكية عن إنجازه بحمل الكوريين الشماليين على تفكيك معداتهم النووية،‮ ‬أفلحت فيه الصين بوسائل الإقناع والدبلوماسية،‮ ‬ولصالح الأمريكيين‮.‬ والثاني‮ ‬هو الملف النووي‮ ‬الإيراني،‮ ‬حيث لا تختلف النظرة الصينية إزاءه عن النظرة الأمريكية والأوروبية،‮ ‬وثالثاً،‮ ‬ملف دارفور،‮ ‬حيث تحدث المحاضر،‮ ‬عن تفاهمات أمريكية‮ – ‬صينية حيال الموضوع‮.‬ بدا لي‮ ‬أن هذا التشخيص‮ ‬ينطوي‮ ‬على خللٍ‮ ‬ما،‮ ‬وهذا ما قلته في‮ ‬مداخلتي‮ ‬في‮ ‬المناقشات التي‮ ‬تلت المحاضرة،‮ ‬حيث شعرتُ‮ ‬بأن ما قِيل في‮ ‬الندوة من جانب المحاضر‮ ‬يعكسُ‮ ‬رغبةً‮ ‬ذاتية لديه،‮ ‬أكثر مما‮ ‬يعكس قراءة متأنية في‮ ‬متغيرات الوضع الدولي‮ ‬الراهن،‮ ‬وموقع الصين المحوري‮ ‬في‮ ‬هذه المتغيرات،‮ ‬حتى لو بدا هذا الدور كامناً‮ ‬وليس ظاهراً‮. ‬ وهذا الكمون في‮ ‬السياسة الخارجية الصينية‮ ‬يبدو متعمداً‮ ‬إلى حدودٍ‮ ‬بعيدة،‮ ‬وهو فيما أرى عائد لرغبة الصينيين في‮ ‬الانصراف إلى تنمية قدراتهم الداخلية والخارجية بصمت،‮ ‬والنأي‮ ‬عن استفزاز القوى الدولية الكبرى،‮ ‬وخاصة الولايات المتحدة،‮ ‬حتى لو لم‮ ‬يتفقوا تماماً‮ ‬مع سياستها‮.‬ يبدو مبالغةً‮ ‬كبيرة الحديث عن أوجه الاتفاق في‮ ‬الملفات الثلاثة المذكورة بين واشنطن وبكين،‮ ‬وأن حدثَ‮ ‬والتقتْ‮ ‬المواقف في‮ ‬تفصيلٍ‮ ‬من التفاصيل،‮ ‬فان الدوافع مختلفة لدى البلدين،‮ ‬فلدى الصين حسابات أخرى‮ ‬غير تلك التي‮ ‬في‮ ‬ذهن واضعي‮ ‬السياسات في‮ ‬أمريكا أو حتى أوروبا‮.‬ ويبدو أحد مظاهر الافتراق في‮ ‬السياستين الأمريكية والصينية في‮ ‬الموقف الذي‮ ‬اتخذتهُ‮ ‬الصين،‮ ‬في‮ ‬إطار معاهدة شنغهاي،‮ ‬بدعم الموقف الروسي‮ ‬في‮ ‬حرب القوقاز الأخيرة التي‮ ‬أنشأت معادلةً‮ ‬دوليةً‮ ‬جديدةً،‮ ‬على نقيض مواقف الدول الغربية‮. ‬ يدور الحديث عن تعددية قطبية طور التشكل السريع،‮ ‬والصين مرشحة لأن تكون أحد أقطاب هذه التعددية،‮ ‬وهي‮ ‬تحثُ‮ ‬الخطى لكي‮ ‬تكون جديرة بذلك،‮ ‬ولديها من المؤهلات له الشيء الكثير‮.‬ في‮ ‬هذا النطاق علينا أن نقرأ الأنباء الطازجة التي‮ ‬تتحدث عن أن مفتاح حل الأزمة المالية التي‮ ‬يمر بها النظام المصرفي‮ ‬العالمي‮ ‬قد‮ ‬يكون بيد الصين التي‮ ‬تمتلك احتياطيات من العملة الصعبة تتجاوز تريليوني‮ ‬دولار‮. ‬ ففي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬تتهاوى فيه مواقع المال في‮ ‬الولايات المتحدة وأوروبا وبلدان آسيوية عدة،‮ ‬تبدو الصين في‮ ‬وضعٍ‮ ‬مالي‮ ‬مستقر،‮ ‬لكي‮ ‬لا نقول متين‮.‬ ربما‮ ‬يستجدي‮ ‬الغربُ‮ ‬بكين للمساعدة،‮ ‬وربما تقدم بكين العون اللازم لحسابات تتصل بمصالحها في‮ ‬المقام الأول،‮ ‬ولكن حسب تقرير لـ‮ »‬بي‮. ‬بي‮. ‬سي‮« ‬فان الصين السعيدة بسلامة نموذجها الاقتصادي،‮ ‬لن تقوم بإصدار شيكات على بياض للدول الغربية،‮ ‬التي‮ ‬عليها تدبر أمورها بنفسها‮.‬
 
صحيفة الايام
19 اكتوبر 2008