المنشور

في الزعم بأننا لن نتأثر!

من العبث أن تستمر دوائر مالية وحكومية في البحرين وسواها من دول الخليج في الادعاء بأننا لن نتأثر بالأزمة المالية الطاحنة التي تعصف بالعالم، والتي لم يظهر منها سوى قمة جبل الجليد التي تُخفي تحتها طبقات من الآثار المدمرة الآتية لا ريب فيها، فلا يُمكن لدولنا الخليجية أن تكون بمنجاة من تداعيات هذه الأزمة التي ابتدأت في الولايات المتحدة، لتشمل مراكز المال في العالم كله، بالنظر لما هو عليه النظام المالي العالمي اليوم من ترابط واعتماد متبادل. 
لقد “عولمت” العولمة الاقتصاد والمال في المقام الأول، ولم يعد مسموحاً لأقصى بقعة في العالم أن تكون خارج هذا السياق المعولم، فليس للرأسمال من وطن، انه يتجول بمنتهى السهولة والانسيابية في أرجاء المعمورة. 
وإذ يصاب مركز هذا النظام المالي بهزة، فإن على أطرافه أن تستقبل تداعيات هذه الهزة، إن لم يكن بصورة فورية، فبعد حين لن يطول كما يؤكد ذلك خبراء المال، الذين يشبهون هذا الأخير بزيت التشحيم اللازم لإدارة العجلات، فحين يشح هذا الزيت فإن مآل هذه العجلات هو التوقف. 
ليس مُجدياً أن تستمر حكوماتنا الخليجية ومؤسساتنا المالية في بعث رسائل التطمين عن متانة وضعنا الاقتصادي والمالي في ظل ما يشهده العالم من انهيارات، خاصة اننا في نهاية المطاف دول ريعية تعتمد على العوائد النفطية، ووثيقو الارتباط بما يدور في المراكز الاقتصادية العالمية، وخاصة، أيضاً، ان سعر النفط هبط بنسبة تفوق الأربعين في المائة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهو مرشح للمزيد من الهبوط. 
إن القلق الشديد بدأ يساور الفعاليات الاقتصادية المعنية، لا بل والقطاعات الشعبية من الآثار الفعلية لما يدور على أدائنا الاقتصادي وعلى مستوى المعيشة المتحقق والخدمات المقدمة من الدولة لمواطنيها، في ظل تعتيم تعتمده الحكومات حول البيانات الضرورية المتصلة بالأمر. 
وعلينا هنا التوقف ملياً أمام بيان غرفة التجارة والصناعة في البحرين الصادر منذ يومين، والذي طالبت فيه وزارة المالية ومصرف البحرين المركزي بتقديم صورة واضحة من البيانات حول حقيقة الوضع المالي للبلاد إزاء الأزمة المالية العالمية الراهنة.  
والأرجح أن نظراء الغرفة في البلدان الخليجية الأخرى يطالبون بالشيء نفسه، ويدعون إلى اتخاذ التدابير الوقائية الملموسة التي يمكن أن تحتوي آثار الأزمة وتقلل من خسائرها على الوضع المالي وعلى معدلات النمو الاقتصادي في بلداننا. 
حتى الآن ما زالت البيانات المعلنة من قبل المصارف المركزية في بلدان المنطقة مُبهمة، تقول ولا تقول في الآن ذاته، وتتعمد إخفاء الحقائق أو التمويه عليها، ورسم صورة وردية عن أوضاعنا كأننا نعيش في جزر معزولة، ولسنا جزء من النظام المالي العالمي ولا تعلن الجهات المعنية بالقرار المالي عن التدابير التي تنوي اتخاذها في حال ازدادت الأمور تدهوراً. 
وكل هذه أمور لا تحمل إلا على الخوف والقلق، وتطرح عديد الأسئلة حول مدى صلابة الأرض التي نقف عليها في عالم تهزه أعاصير الأزمات التي يُقال أن العالم لم يشهد مثيلاً لها منذ الكساد الاقتصادي الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين.
 
صحيفة الايام
14 اكتوبر 2008