المنشور

الموقف العربي‮ ‬من العراق

حتى أمدٍ‮ ‬قريب جداً‮ ‬تعاطتْ‮ ‬الدبلوماسية العربية بصورة سلبية مع العراق الراهن،‮ ‬من منطلقات واعتبارات مختلفة،‮ ‬بينها خشية أنظمة عربية من أن تؤدي‮ ‬المساعدة في‮ ‬استقرار الوضع السياسي‮ ‬في‮ ‬هذا البلد إلى تمكين القوى الجديدة التي‮ ‬صعدت إلى صدارة المشهد السياسي‮ ‬هناك،‮ ‬بعد الاحتلال الأمريكي‮ ‬وسقوط النظام السابق‮.‬ بعض النظام الرسمي‮ ‬العربي‮ ‬وثيق الصلة بالولايات المتحدة الأمريكية التي‮ ‬احتلت قواتها العراق،‮ ‬رأى مصلحةً‮ ‬له في‮ ‬عدم المساعدة على تثبيت الوضع الجديد الناشئ هناك،‮ ‬حتى تغرق واشنطن في‮ ‬الرمال المتحركة في‮ ‬العراق،‮ ‬فلا‮ ‬يعود بوسعها ممارسة ضغوط على أنظمة عربية أخرى حليفة لها في‮ ‬الجوهر،‮ ‬ولكن واشنطن،‮ ‬من حيث الشكل،‮ ‬تُطالبها بإدخال تعديلات على سياساتها‮.‬ لسان حال النظام الرسمي‮ ‬العربي‮ ‬يكاد‮ ‬يقول‮: ‬كلما تورطتْ‮ ‬واشنطن في‮ ‬المستنقع العراقي،‮ ‬أمكن تفادي‮ ‬ضغوط متوقعة منها على بلدان أخرى‮.‬ الممثل الدائم السابق لجامعة الدول العربية في‮ ‬بغداد قدم استقالته احتجاجاً‮ ‬على عدم وجود رؤية للجامعة تجاه راهن ومستقبل الوضع هناك‮. ‬ولا‮ ‬يمكن للجامعة العربية أن تُلام على‮ ‬غياب مثل هذه الرؤية،‮ ‬إذا تذكرنا أنه ليس في‮ ‬وسع الجامعة أن ترسم سياسة ما إزاء قضية بهذه الخطورة بمعزل عن رغبة وإرادة الدول العربية المحورية التي‮ ‬صنعت وتصنع سياسة الجامعة‮.‬ لكن سرعان ما اتضح أن موقف الدبلوماسية العربية‮ ‬يفتقد للبصيرة،‮ ‬فليس العراقيون وحدهم من‮ ‬يتضرر من عدم الاستقرار السياسي‮ ‬والأمني‮ ‬في‮ ‬بلادهم،‮ ‬وإنما بقية الدول العربية،‮ ‬خاصة منها تلك التي‮ ‬تملك حدوداً‮ ‬مشتركة مع العراق،‮ ‬فـ‮ »‬صناعة‮« ‬الإرهاب في‮ ‬العراق،‮ ‬وفي‮ ‬بعض الحالات تصدير أشكال منه إلى أراضيه عبر الحدود،‮ ‬لا‮ ‬يمكن إلا أن ترتد بنتائجها على المحيط الإقليمي،‮ ‬العربي‮ ‬منه خاصة‮.‬ بعض المحللين والمراقبين‮ ‬يتحدثون اليوم عن ظاهرة اسمها‮ »‬العائدون من العراق‮«‬،‮ ‬على طريقة‮ »‬العائدين من أفغانستان‮«‬،‮ ‬بعد خروج القوات السوفياتية من هناك،‮ ‬فكما شكل هؤلاء خطراً‮ ‬على أمن بلدان المصدر التي‮ ‬أتوا منها،‮ ‬بعد عودتهم،‮ ‬فإن نظراءهم،‮ ‬وقد‮ ‬يكونون هم أنفسهم،‮ ‬من العائدين من العراق بعد التحسن النسبي‮ ‬في‮ ‬الوضع الأمني‮ ‬هناك،‮ ‬باتوا‮ ‬يُشكلون مصدر خطر جديد على أمن بلدانهم‮.‬ وهناك من‮ ‬يعزو بعض العمليات الإرهابية في‮ ‬كل من سوريا وشمالي‮ ‬لبنان واليمن إلى بعض هؤلاء العائدين الباحثين عن دور لهم‮.‬ هناك بوادر تغيير في‮ ‬الدبلوماسية العربية،‮ ‬أو بعضها على الأقل،‮ ‬تمثلت في‮ ‬الزيارة التي‮ ‬قام بها وزير الخارجية المصري‮ ‬إلى بغداد مؤخراً،‮ ‬والتي‮ ‬سيسفر عنها إعادة فتح السفارة المصرية هناك،‮ ‬وهو أمر كانت البحرين قد فعلته مبكراً،‮ ‬رغم أن خروج القائم بالأعمال البحريني‮ ‬هناك منذ سنوات حدث بعد إصابته في‮ ‬عمل إرهابي‮.‬ بعيداً‮ ‬عن الرغبات الدولية،‮ ‬والأمريكية منها خاصة،‮ ‬فان من مصلحة النظام الرسمي‮ ‬العربي‮ ‬العمل على الاستقرار الأمني‮ ‬والسياسي‮ ‬في‮ ‬العراق،‮ ‬بما‮ ‬يخلق أرضيةً‮ ‬أكثر مؤاتاة لسحب قوات الاحتلال الأمريكي،‮ ‬وتمكين العملية السياسية في‮ ‬البلد من أن تتطور بصورة سلسة،‮ ‬بما‮ ‬يعود بنتائج ايجابية على استقرار المنطقة كلها،‮ ‬وبما‮ ‬يضمن للعراق تواصله مع عمقه العربي،‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يمكن تصور مستقبل العراق بدونه‮.‬
 
صحيفة الايام
7 اكتوبر 2008