المنشور

الأفغو‮ – ‬باكستان والحرب الطويلة على الإرهاب

كان من الضروري‮ ‬أن نحيك عنواناً‮ ‬من نسيج مركب،‮ ‬باعتبار أن خزان الإرهاب متمحور في‮ ‬مناطق حدودية مشتركة،‮ ‬حيث التضاريس وعِرة والحكومة المركزية ضعيفة والقيم والتقاليد القبلية مفعمة بروح الالتزامات الأخلاقية والدينية والعشائرية،‮ ‬فإذا ما التزمت القبائل باحتضان الهاربين تحت حجة لواء دفاعهم عن الإسلام والوطن إزاء عدو‮ ‬غريب وأجنبي‮ ‬وكافر ومنحتهم حمايتها القبلية،‮ ‬فإن مهمات الحكومتين المركزيتين في‮ ‬كابول وإسلام آباد تصبح معقدة،‮ ‬إذ تتحول الحرب بجبهات متعددة الوجوه أخلاقية ودينية وسياسية وعقائدية‮.‬
‮ ‬وإذا ما ضربت أطنابها في‮ ‬عقول مجتمعات أمية ونصف أمية،‮ ‬تصبح المسألة أكثر تعقيداً‮. ‬في‮ ‬هذه التربة،‮ ‬الأفغو ـ باكستانية عند نقطة الحدود المشتركة التاريخية،‮ ‬بالضرورة تكون الحرب على الإرهاب طويلة الأمد بعض الشيء وقد تكون اقصر إذا ما عززت الحكومتان من تعاونهما ونجحتا في‮ ‬القبض على ‮٣ ‬شخصيات محورية هم الملا عمر وأيمن الظواهري‮ ‬وأسامة بن لادن،‮ ‬فبعدها تصاب الحركات والتنظيمات المتشددة بنوع من الإحباط العميق داخلها وتتشظى،‮ ‬بحيث تصبح مجرد حلقات متناثرة تعيش على مجد قيم قيادة معنوية وسياسية قد رحلت،‮ ‬وعناصر نائمة وحلقات تقطعت بها السبل بلا جغرافيا وطوبوغرافيا قتالية محكمة ولا دعم مالي‮ ‬منتظم كالسابق من مصادر ثرية تقتات على النفط‮. ‬وإذا ما تم حصار وهزيمة الإرهاب في‮ ‬ذلك الخزان الحدودي‮ ‬ـ الثنائي‮ ‬ـ جغرافيا وسياسيا،‮ ‬فإن الانعكاسات السلبية ستلحق على المراكز البعيدة في‮ ‬كل نقاط ارتكاز حيوية في‮ ‬العالم الإسلامي‮ ‬والعربي،‮ ‬إذ من المعروف ان الحركات السياسية المنظمة لا‮ ‬يمكنها النجاح والانتصار بدون مركز قيادي‮ ‬موحد‮ ‬يمتلك جغرافيا‮ ‬يعيش فيها كمرتكزات مهمة،‮ ‬وما‮ ‬يقوم به حاليا أيمن الظواهري‮ ‬وبن لادن ليس إلا تعليمات وإشارات تصل بعضها متأخرة أو لا‮ ‬يمكنها أن تحقق انتصارات استراتيجية بتحويل العالم وفق مشيئتها وإسقاط النظام الرأسمالي‮ ‬في‮ ‬الألفية الثالثة بمجرد خطب عصماء وتعليمات ووصايا تنطلق عبر إعلام‮ ‬يتصيد خطاها مقابل تحولها إلى محطات تبليغ‮ ‬وتحذير،‮ ‬فيما تحول الملا عمر إلى مشاكس‮ ‬يمارس الكر والفر مع دولة ومجتمع مازال في‮ ‬طور التشكل بعد صراع مفتت الأوصال منذ حكومات أمراء الحرب ونهايتها كانت حكومة طالبان المقبورة‮. ‬وكلما تعاظم وقوي‮ ‬دور الحكومة المركزية في‮ ‬كابول‮.‬
فان القسم الجنوبي‮ ‬من أفغانستان سيضعف بالتدريج،‮ ‬ويزداد ذلك الضعف كلما كنست الحكومة الباكستانية وقواتها العسكرية الحدود المشتركة بينهما،‮ ‬إذ تحاصر‮ »‬كماشة‮« ‬حركة طالبان الأفغانية والباكستانية وتنظيم القاعدة في‮ ‬ذلك المربع الجبلي‮. ‬ما تحتاجه أفغانستان وباكستان ليس بناء قدرتهما العسكرية،‮ ‬وإنما اختراق جبهة الاتصالات السرية لتلك التنظيمات،‮ ‬ليس عبر الفضاء وحده،‮ ‬وإنما ببناء قوة فدائية مقاتلة بنفس النهج وقوة استخباراتية قادرة على اختراق مناطق جبلية ما تزال تعتقد اعتقادا‮ ‬يقينيا أنها تقاتل العدو الأجنبي‮ ‬الغازي‮.‬
وهي‮ ‬فكرة زرعتها ووظفتها القوى الثلاث الرئيسية المتعاونة،‮ ‬وقد ساعدتها الأخطاء الفاحشة التي‮ ‬ترتكبها قوات الناتو في‮ ‬طريقة ضربها للمدنيين بحثاً‮ ‬عن عناصر تنظيم القاعدة وطالبان الأفغانية والباكستانية‮. ‬ولا‮ ‬يمكن من الفضاء اجتثاث حلقات سرية تعمل في‮ ‬الأرض وبين جماعات بشرية تحتضنها بل وتؤمن بها‮. ‬لهذا ستكون على باكستان وحكومتها الجديدة،‮ ‬أن تعزل تلك الحركات المختفية خلف رداء الإسلام بين تلك القبائل،‮ ‬وإفشال دعايتها في‮ ‬إقناع القبائل بأنها وراء كل ما تسببه لهم من مصائب،‮ ‬وفي‮ ‬ذات الوقت إقناع رجل الشارع الباكستاني،‮ ‬عن أنها لا تتفق مع كل أفعال حليفها وتدخلاته في‮ ‬شؤونها وخرقها لسيادتها الوطنية،‮ ‬لتضيف تلك السياسة لحكومة زرداري‮ ‬هيبة وهالة احترام لمن انتخبها ومن لم‮ ‬ينتخبها أيضا،‮ ‬بحيث تترك الفضاء الأفغاني‮ ‬إلى قوات حلف الناتو كون القوى العسكرية الأفغانية هي‮ ‬الحلقة الأضعف،‮ ‬فيما تواصل القوات العسكرية الباكستانية مهماتها بمخطط طويل الأمد لاجتثاث كل ذلك الخزان‮. ‬ما صدر مؤخرا عن ان القوات الباكستانية قتلت ألف مسلح خلال شهر،‮ ‬ربما جاء متأخرا بعد كارثة فندق ماريوت،‮ ‬لإقناع الناس‮.‬
‮ ‬بأن حكومة آصف زرداري‮ ‬خلال تسلمها الحكم هذه المدة القياسية قد أنجزت تقدما في‮ ‬ضرب الحركات الإرهابية حسبما أشار طارق خان المفتش العام للقوات شبه العسكرية الباكستانية المسؤولة عن أمن الحدود مع أفغانستان‮. ‬نتذكر خطاب الرئيس بوش بعد ضرب البرجين واتخاذ قرار حازم بضرب وإسقاط حكومة طالبان فوراً،‮ ‬عن ان الحرب على الإرهاب قد تستغرق ‮٥١ ‬عاماً،‮ ‬فيما نرى اليوم‮ ‬يقال لنا انها حرب طويلة،‮ ‬فقد باتت ملاحقة العناصر الإرهابية مستقبلا ربما تستغرق وقتا أطول حتى مع رحيل قياداته التاريخية،‮ ‬فالتطرف الجديد الحالي‮ ‬يستمد قوته ومرتكزاته من تربة عقائدية‮. ‬لهذا جبهات القتال مع الإرهاب،‮ ‬ستكون متمحورة في‮ ‬الوقت الحالي‮ ‬في‮ ‬مناطق مهمة،‮ ‬بدت أمكنة هشة أمنيا،‮ ‬كالعراق واليمن والصومال وموريتانيا والجزائر،‮ ‬تميزت بعضها بعصبيات دينية وفقر شديد وأميّة ثقافية وبأطراف طبوغرافية معقدة،‮ ‬غير أنها قادرة في‮ ‬نهاية المطاف،‮ ‬وبسياسات محكمة‮.‬
‮ ‬تطويق تلك القوى الإرهابية‮. ‬من تابع طوال هذه الفترة الأعمال الإرهابية،‮ ‬سيجد أن الأمكنة الأسهل اختراقاً‮ ‬هي‮ ‬الفنادق ذات الـ ‮٥ ‬نجوم والمنتجعات السياحية،‮ ‬والتي‮ ‬تعرضت في‮ ‬أمكنة عديدة لتفجيرات مروعة‮. ‬ولن تجدي‮ ‬التصريحات العنترية،‮ ‬بل والتضليل الإعلامي‮ ‬لتبرير الإهمال والاختراق السهل كلما واجهت حكومات أزمتها الأمنية،‮ ‬حيث شراء ذمم رجال الأمن والشرطة‮ ‬يصبح سهلا كلما عشعش الفقر والجهل الأمي‮ ‬لفهم طبيعة الإسلام والتدين،‮ ‬فما‮ ‬يحتاجه الجندي‮ ‬ورجل الشرطة في‮ ‬أفغانستان وباكستان هو انتزاع فكرة مغلوطة في‮ ‬ذهنه ونفسيته،‮ ‬إن من‮ ‬يحاربهم ويلاحقهم من الإرهابيين هم أعداؤه الحقيقيون،‮ ‬وان من‮ ‬يموتون تحت حطام الفنادق ليسوا إلا ناساً‮ ‬مدنيين ليس لهم علاقة بالتطاحن،‮ ‬وما ذريعة محاربة المصالح الغربية إلا تعليل للوصول إلى هدف سهل بعد عجزهم عن تحقيق انتصارات في‮ ‬ميادين قتالية فعلية‮. ‬الحرب طويلة على الإرهاب ولكنها ستصبح أقصر كلما تم محاولة التركيز على اصطياد الثالوث الهارب في‮ ‬الجبال،‮ ‬بعدها سيصاب‮ »‬العنقود‮« ‬الإرهابي‮ ‬في‮ ‬كل مكان بهزيمة كبرى وتمزق نهائي‮ ‬يشارف على العزلة والضمور‮.  ‬

صحيفة الايام
7 اكتوبر 2008